عندما أسست دولتنا وزاراتها، وافتتحت في كل منطقة إداراتها، ودشنت المدارس والجامعات، وشيدت المساجد والجوامع ودعمت المبرات، لم تكن تهدف إلى إنتاج قلوب جاحدة وأرواح عاقة لوطنها، بل كانت مؤمنة أن العلم والمعرفة يبصران الناس بالحق، وينظمان حياتهم، ويهذبان غرائزهم، ويؤهلان مجتمعاتهم لتكون مضرب مثل في الوعي والتقدم وتوجيه الطاقات إلى ما هو أحسن كون رب العباد لا يضيع أجر من أحسن عملا نافعا للذوات ولما يحيط بنا من الكائنات، ولعل قيادتنا وشعبنا وعيا مبكرا خطر التطرف فحاولنا إلباس بعض الغلو لباس اعتدال وقصد حتى لا نؤذي شابا متحمسا ولا أسرة تجلل يومياتها المتواضعة بالولاء لله ثم للملك والوطن ولا تطمع في أكثر من الستر، وبرغم كل ما تبدى من نوايا سوء للإرهاب بكل خلاياه النائمة أو المستيقظة أو المخدرة، إلا أن قيادتنا تغلب جانب الاستصلاح على التجريم ويتيحون مساحة للعفو قبل الشروع في تطبيق العقوبة، وما الدعوات المستمرة لمن تورط في عمل إفساد أو تعد لتسليم نفسه قبل ملاحقته الممكنة إلا مد كف الرحمة لأبناء وبنات وطننا، فالقيادة السعودية تعامل شعبها بمنطق البنوة القائم على عاطفة مشفقة على المسيء وحريصة على عدم تحول زهرات شبابنا إلى وقود معارك جاهلية وحطب اقتتال طاحن لا هوية له، وصدر الوطن مفتوح للتائبين المؤثرين للوعي والحكمة وليعلموا أن الوطن لا يقابل قاصديه بخير سوى بكفٍ منعمة ووجه بشوش وصدرٍ حان.