لقد خشي رجال صدر الإسلام على الحديث النبوي من الضياع أو الخلطة، بغيره من الآثار أو الموضوعات فسارعوا إلى جمعه، وكانت المدينةالمنورة محضن هذا الحديث الكريم وأهلها الأمناء عليه. وسار أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز خطوة حازمة حاسمة بتدوين سنن الرسول صلى الله عليه وسلم. فكتب إلى الإمام الثبت، أمير المدينة، وأعلم أهل زمانه بالقضاء، أبي بكر بن حزم، يأمره بذلك. ففي صحيح البخاري : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم : انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا. وروى الدارمي عن عبد الله بن دينار قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن أكتب إلي بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحديث عمر، فإني قد خشيت درس العلم وذهابه. وعند ابن سعد عن عبد الله بن دينار قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة ماضية، أو حديث عمرة بنت عبدالرحمن، فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله . كذلك وجه كتابا بهذا الشأن إلى الإمام الحجة ابن شهاب الزهري. فقد ذكر ابن عبد البر عن ابن شهاب قال: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا. وروى أبو عبيد أن عمر أمر ابن شهاب أن يكتب له السنة في مصارف الزكاة الثمانية، فلبى الزهري أمره، وكتب له كتابا مطولا يوضح ذلك بالتفصيل. ومن هنا قال الحافظ ابن حجر: وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبدالعزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد. بل إن عمر وجه أوامره، إلى أهل المدينة جميعا يأمرهم ويحثهم على جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشارك في هذا كل من لديه علم، ولو كان بضعة أحاديث. عن عبد الله بن دينار قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة : أن انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه، فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله. ولم يقف عمر عند ذلك، بل عمم أوامره إلى جميع الأمصار في الدولة الإسلامية، ليقوم كل عالم بجمع وتدوين ما عنده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سمعه من أصحابه الكرام. روى أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» فقال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق : انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه واحفظوه، فإني أخاف دروس العلم وذهاب العلماء. السطر الأخير : أعلمت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشىء أنفسا وعقولا