«الراتب لا يكفي».. كان الهاشتاق الاكثر شهرة واثارة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في ايام خلت، حيث بنيت عليه الكثير من التعليقات والتساؤلات عن الواقع الاقتصادي للمواطن.. واحتياجاته المستقبلية في مقابل تصريحات استهجنت الفكرة التي لاجلها اطلق الهاشتاق. فهل صحيح أن «الراتب لا يكفي الحاجة».. الامر الذي جعل الكثير من المؤيدين والمتابعين يترقبون ما ستسفر عنه عاصفة الهاشتاق. كثيرون اجمعوا أن هاشتاق الراتب لا يكفي اجمل معاناتهم دون تفصيل، فالراتب يكفي ويسد الحاجة بشرط أن تضبط الاسعار، التي اصبحت نارها تحاصر المواطن في كل اتجاه، فما أن يشعل أي تاجر جذوة السعر لأي سلعة حتى تلحقها باقي اسعار السلع الاخرى، ناهيك عن اسعار السلع العالمية كالذهب والبترول والعملات، التي امتدت تداعياتها السلبية على السوق المحلي.. لدرجة اصبح المواطن يتابعها باهتمام.. خوفا من أن تتفاقم نار الاسعار التي يكتوي بها يوميا. يقول عبدالله الحربي: سمعت ضمن من سمع بتداول تويتر لهاشتاق «الراتب لا يكفي الحاجة»، وكيف لقي ذلك تفاعلا كبيرا من قبل المواطنين، الا انني أجد ان المشكلة لا تكمن في الراتب بقدر ما تكمن في اسعار كثير من السلع والخدمات التي يتم تداولها دون ضابط من قبل الاجهزة المعنية.. فأسعار كثير من السلع والخدمات قد ازدادت وبشكل غير مبرر، في حين أن الراتب ما زال ثابتا، وإن زاد الراتب فقد لا يلحق بركب الزيادة في الاسعار التي اصبحت سمة سنوية.. وخاصة في شهر رمضان المبارك. واضاف الحربي «في هذه الايام ستجد ان اجرة عمل السباك او الكهربائي قد ارتفعت بدعوى انهم عمالة نظامية، في ظل حملة التصحيح ضد المخالفين للأنظمة، لكن ما هي ذريعة صاحب المطعم الذي رفع سعر صحن الفول او البقال الذي وضع زيادة سعرية على المكرونة والتونة والمناديل.. رغم انها سلع متعارف على اسعارها من قبل الوكيل. غياب الرقابة ويشير عبدالصمد عبدالله الى أن اسعار سلع معظم البقالات اصبحت تضاهي في تغيراتها الاسبوعية الاسعار في سوق الفاكهة والخضار، وقال «اذا اردت تبريرا عن المطالب بزيادة الراتب عليك اولا ان تجري مسحا لأسعار المتطلبات اليومية التي تحتاجها الاسرة وبشكل اساسي، وهي المتطلبات التي تتوفر في العادة في محلات السوبرماركت والبقالات.. وعندها ستجد أن الراتب لن يستطيع الايفاء بكافة المتطلبات الضرورية فضلا عن الكماليات.. ويضيف عبدالصمد «الغريب ان الاسعار تتقلب بشكل يومي في معظم محلات السوبرماركت والبقالات دون رقيب او حسيب، لدرجة انك تجد نفس المنتج ومن نفس الموزع لكن بسعرين وفي محلين مختلفين». ونوه تركي طارق الى أن معظم السلع الاساسية ان لم يكن كلها تلقى الدعم المالي من قبل الدولة للحفاظ على اسعارها، ويقول «الارز الذي لا تزال اسعاره في اضطراد يتلقى موزعوه الدعم من قبل الدولة، فلماذا اذن ترتفع اسعاره وبهذه الصورة الجلية، منذ بداية الشهر كان سعر الخمسة الكيلو من الارز لا يزيد عن 32 ريالا، اما الان فقد وصل السعر الى 40 ريالا»، واضاف تركي «هذا فقط الارز اما بالنسبة لسعر الحليب المجفف فالامر مذهل.. وصحيح ان الراتب لن يكفي هذه التجاوزات في الاسعار». أزمة السكن اما بندر مدني فتمنى ان تنتهي ازمة السكن حتى يمكن للمواطن مواجهة ارتفاع اسعار المواد الغذائية، وقال «نسبة كبيرة من المواطنين لا تمتلك المساكن وتدفع سنويا ايجارات باهظة، هذا بخلاف الارتفاعات المتفاوتة في اسعار المساكن والتي تختلف من عقار لاخر، لكنها في النهاية تزيد وبدون أي مقارنة ارتفاع اسعار المواد الاساسية ولمدة طويلة ايضا»، واضاف «لو تملك المواطن السكن فانه وبكل تأكيد سيجد ما يمكنه من تجاوز ارتفاع اسعار مواد التموين الاساسية، فالاهم هو السكن وكلفته المهدرة، التي تستقطع سنويا اكثر من ثلث الراتب». وجهات نظر إعجاز (صاحب بقالة) ارجع الزيادات السعرية في المواد الاساسية الى الموزعين المعتمدين للسلع، حيث يقومون من حين لاخر بزيادة سعر السلعة، مؤكدا ان هامشه الربحي ثابت، سواء زاد سعر السلعة ام لم يزد، وهو امر يتعلق بشكل طردي بتسعيرة الموزع. واضاف «بعض الزبائن حريصون على التدقيق في سعر السلعة خاصة اذا ما طرأ عليها زيادة، ولذا اقوم بتقديم فواتير الموزع (التكلفة) لهم حتى لا اخسر ثقتهم، ومن ثم اخسرهم كزبائن». عبدالله الحضرمي (بائع جملة) اكد من جهته ان أي صاحب بقالة او محل للبيع بالجملة لا يستطيع من جهته التلاعب بالاسعار، وان فعل ذلك فسيكون عرضة للتساؤل والعقاب من قبل الجهات المسؤولة. واضاف «جميع الاسعار يحددها الموزعون المعتمدون للسلعة، ولا يجرؤ احد خاصة باعة الجملة على الزيادة ايا كان مقدارها عما هو متفق عليه مع الموزع، وفي النهاية الموزعون هم المسؤولون عن اسعار المواد الاساسية». ابو عبدالله (صاحب مكتب عقار) اشار من جانبه الى أن ملاك العقار لهم الحرية في رفع اجرة عقاراتهم وقيمتها الاجمالية اذا ما ارادوا بيعها. وقال «ما الذي يمنع صاحب ارض او بناية من عرضها للبيع بقيمة عشرة ملايين، حتى وان كانت قيمتها في السوق لا تزيد عن خمسة ملايين، ومشتراها وبحسب الصك لا يزيد عن المليون ريال». واضاف ابوعبدالله «كذلك الوضع بالنسبة لأجرة المساكن فهناك من الملاك بمجرد ان ينتهي عقد المستأجر الا ويطالبه بزيادة قد تصل الى 50 % من قيمة الايجار، ونحن لا نستطيع الا المطالبة باسم صاحب العقار لتطبيق هذه الزيادة»، مؤكدا ان غياب التنظيم الالزامي للسوق العقاري هو ما جعل السوق يعيش حالة من التضخم والتي هي في الاساس تلاعب بالاسعار.. والتي غالبا ما يذهب ضحيتها المواطن. رؤية وتحليل من جهته قال المصرفي ورجل الاعمال ابراهيم السبيعي، إن المواطن بحاجة الى الزيادة في المرتبات وفي الاعانات المقدمة للسلع الاساسية، لكن ذلك يجب ان يصاحبه التشديد على ضبط الاسعار الى جانب تأمين السكن الذي يستنزف كثيرا من دخل المواطن. واضاف «التشديد على ضبط الاسعار من اهم العوامل التي من شأنها ان تجعل السلع الاساسية في متناول اليد الذي تسعى الدولة لتحقيقه جاهدة من خلال تقديمها الاعانات لتجار هذه السلع، في سبيل الحفاظ على اسعارها، الا ان هؤلاء التجار يستفيدون من دعم الدولة ويقومون في الوقت نفسه بزيادة اسعار السلع التي يقومون بتوريدها»، والمح السبيعي إلى ان المواطن قد فطن لعبة كثير من تجار السلع الاساسية، ولذا هم يقومون دائما بالبحث عن السلع البديلة كي لا تذهب مدخراتهم الى جيوب هؤلاء التجار». استاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور اسامة فلالي، علق من جانبه بالقول، إن مواجهة تضخم الاسعار لا تتم بزيادة المرتبات او حتى بزيادة الدعم للسلع الاساسية، فالتجار يستفيدون من الدعم المقدم من الدولة ومع ذلك يقومون برفع اسعار السلع كما هو حاصل للأرز والحليب.. فالحل اذن يتمثل بزيادة الانتاج وزيادة عرض المنتجات الوطنية الاساسية. واضاف فلالي قائلا «كما لا ننسى أن جشع كثير من التجار بما في ذلك اصحاب العقارات يعد سببا اخر لارتفاع الاسعار، صحيح ان تكلفة انشاء الوحدات السكنية تحدد قيمة البيع او الايجار للوحدة السكنية، الا ان ذلك لا يبرر ارتفاع اسعار اجرة المساكن بنسب عالية، خاصة اذا كانت كلفة البناء معقولة وليست مرتفعة، وهنا يأتي دور الدولة ممثلة في وزارة الاسكان لحل هذه الاشكالية التي تستنزف مدخولات المواطن، من خلال توفير المساكن للمواطن، او على الاقل تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والتي اصبح حتى الان لا يضبطها اي ضابط». وقال الكاتب الاقتصادي المعروف غسان بادكوك إن مطلب زيادة الأجور رغم جاذبيته وشعبيته فإنه ينطوي على العديد من التحديات، اهمها العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، فهناك شرائح اجتماعية لن تشملها زيادة أجور موظفي الدولة مثل العاملين في القطاع الخاص والمتقاعدين؛ إضافة لمستحقي الضمان الاجتماعي من الأرامل والمطلقات والعجزة والمعاقين. وقال «على افتراض وجود توجه حكومي بالتجاوب مع المطلب الشعبي الخاص بزيادة الأجور، فإن هناك سؤالين يفرضان نفسيهما، يدور الأول حول نسبة الزيادة المحتملة، وآلية استحقاقها، ومدى فاعليتها في تحسين مستوى المعيشة على النحو الذي يتطلع إليه المواطنون، فباعتقادي أن الزيادة في الراتب ان حدثت سيكون لها تأثير ايجابي لفترة محدودة فقط وسرعان ما ستفقد الزيادة فاعليتها اذا ما ارتفع مستوى التضخم مجددا». مشيرا الى ان الحل من وجهة نظره يتمثل في إزالة الأسباب التي أدت وما زالت إلى تفاقم الوضع المعيشي لقطاع متزايد من السكان، بسبب التضخم بنوعيه المحلي والمستورد إضافة لمبالغة البعض من تجارنا في احتساب هوامش ربحية مرتفعة مقارنة بأسعار الكثير من السلع في بلدان مجاورة، وهشاشة جهود الرقابة على الأسعار، فهناك فوضى عارمة في تحديد مبالغ الإيجارات التي تستقطع بمفردها نحو ثلث دخل الفرد، الى جانب استفادة غير المحتاجين من الدعم الحكومي، وعدم كفاية وكفاءة العديد من الخدمات الأساسية المجانية كالتعليم والصحة إضافة لعدم إعفاء الشرائح الأقل دخلا من رسوم الخدمات أو على الأقل عدم تقديمها إليهم برسوم مخفضة. وقال بادكوك «في تقديري إن الأسباب السابقة هي مجرد أعراض لخلل مستتر أكثر عمقا ويدور حول نوعية ووتيرة الإصلاح الاقتصادي المطلوب في المملكة، الذي يحتاج لاتخاذ المزيد من القرارات، مؤكدة الفائدة للمواطنين، كإعادة تقييم سعر صرف الريال الذي سيؤدي لخفض كلفة الواردات، وبالتالي تحسين مستوى معيشة الجيل الحالي أو تأسيس صندوق ثروة سيادي سيكون له دوره الفاعل في تأمين جانب من الاحتياجات المالية لأجيالنا القادمة على سبيل المثال، مثل هذا الخلل لا يتوقف عنده غالبية المطالبين بزيادة الرواتب؛ إما لعدم الاختصاص أو لتفضيل غالبيتهم الحلول المباشرة والآنية التي يعتقدون بأنها كفيلة بحل الصعوبات المالية التي يواجهونها بدون أن يدركوا بأنها ستكون بمثابة مسكنات أو مجرد (مراهم) سطحية لتخفيف الاحتقان». واضاف قائلا، «مواجهة تحدي عدم كفاية الأجور لا بد أن تنطلق من حزمة إصلاحات هيكلية من أبرز مفرداتها تنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليل الاستهلاك المفرط للطاقة، والإسراع في إحلال الطاقات المتجددة، والتحول سريعا نحو الاقتصاد المعرفي المدعوم بقاعدة صناعية إنتاجية توازن بين الاستهلاك المتزايد لمعظم شرائح الدخل وافتقار الاقتصاد للقدرة على اجتذاب صناعات ثقيلة ومتقدمة وذات قيم مضافة، وتعزيز الصلاحيات الممنوحة لهيئة نزاهة لتمكينها من القيام بالدور الهام المناط بها؛ بكفاءة أكبر. وبالإضافة لما تقدم يتعين علينا أيضا سن نظام يقنن حرية المالك في زيادة القيمة الإيجارية للمساكن مع تكثيف جهود خلق الوظائف بتقديم المزيد من الحوافز للقطاع الخاص، وقصر الدعم الحكومي للفئات الأقل دخلا، ورفع قيمة الريال مقابل الدولار الذي استقر عند سعره الحالي منذ عام 1986، حيث سيسهم ذلك في زيادة دخل المواطن بدون زيادة الرواتب ويتيح التخفيف من تأثير التضخم الخارجي، مع فك احتكار الكثير من السلع والخدمات لأن المنافسة المتكافئة ستفرض حينئذ إعادة التسعير لصالح المستهلكين، وأخيرا التعجيل بتحديث باقي منظومة السياسات المالية والنقدية والاقتصادية بحيث تتماهى أكثر مع النهج الاقتصادي الحر.