يحل صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع الليلة في الرياض ضيفا على «عكاظ» في حوار المسؤولية المشتركة، إذ يجيب من خلال هذا اللقاء عن أسئلة واستفسارات ومداخلات عدد من أعضاء وعضوات مجلس الشورى وخبراء الاقتصاد والتنمية والكتاب والإعلاميين حول المشاريع الحيوية في هذا الجهاز الاقتصادي العملاق والخطط المستقبلية والبرامج وجذب رأس المال الأجنبي، والتنمية المستدامة. وفي هذا السياق اكد عدد من اعضاء اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري ان الهيئة الملكية للجبيل وينبع تعدت المحلية واصبحت لها صوت وموقع عالمي من خلال ما قدمته سابقا وما سوف تقدمه في المستقبل المنظور من كل الجوانب الاقتصادية، فقد اكد عضو مجلس الشورى باللجنة الاقتصادية الدكتور أحمد بن محمد الغامدي ان «الهيئة الملكية هى احد ابرز المعالم الاقتصادية في نشاط التنمية وانها قدمت الكثير في مجال تشجيع الصناعة الوطنية وتوطينها وبالنسبة للمستقبل فانا اتوقع ان يكون رائعا ومشرقا بإذن الله ومطلوبا منها الكثير من العمل من اجل مواكبة النهضة الشاملة في المملكة، وكما هو معروف ان الدولة وضعت ثقلها بالاقتصاد لذلك فان المطلوب من الهيئة العمل على بلورة افكار اقتصادية عدة تعود بالنفع على المواطن السعودي وتوظيفه ايضا». من جانبه علق الدكتور خالد العقيل قائلا، ان «المطلوب من الهيئة الملكية للجبيل وينبع تجاه الاقتصاد الوطني والمجتمع الشيء الكثير ونحن لا ننسى ان الهيئة هي اللبنة الاولى في الصناعة الوطنية والجبيل وينبع هي القاعدة الاساسية في الصناعة السعودية، ومنها انطلقت كل المدن الاقتصادية في المملكة ودورها محوري في المجال الصناعي وكلما توسعت فهذا دليل على ما تقوم به من عمل كبير تجاه الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة وتنوع مصادر الدخل وكلما اجتهدنا في القيمة المضافة لا شك سنوجد مجالات اقتصادية نتوسع فيها داخليا وخارجيا وكلما تطورنا اقتصاديا ونوعنا في مصادر الدخل حققنا قيمة مضافة لاقتصاد بلدنا والحمد لله الان مع انشاء المدن الاقتصادية الاخرى اصبح لدينا تنمية متوازنة لمناطق المملكة ومعروف ان هناك الكثير من المشاريع خرجت من رحم الجبيل وينبع التي اصبحت عالمية بجودة صناعتها وبالتالي فان دورها محوري في تنمية البلاد ومن هنا يجب علينا ان لا نتوقف عند الصناعات البسيطة ولكن نذهب بعيدا للصناعات النهائية حتى نحقق وظائف اكثر للشباب وتصبح قاعدة الاقتصاد الوطني واسعة ولا ننسى ان المنافسة الدولية في مجال الصناعة شرسة جدا والبقاء للاقوى بدون شك والحمد لله الخطوات التي نشاهدها واقصد التوسعية رائعة ومنها المعادن وخلافه». من جانبه أكد الاقتصادي المعروف فضل البوعينين أنه يوما بعد آخر؛ تؤكد الهيئة الملكية للجبيل وينبع أنها لا تركن للمنجزات السابقة؛ بل تنمو وتتطور بشكل مدروس لا يخلو من الابتكار وفق أهداف محددة، وثقافة العمل والإنتاج فيها أقرب للقطاع الخاص منها للقطاع الحكومي؛ ولعل هذا ما يساعدها على الإبداع والتطوير المستمرين. بعد ضم رأس الخير للجبيل الصناعية ووضعها تحت إشراف الهيئة الملكية توقع البعض أن يؤثر ذلك على المدينة الصناعية الأولى؛ على أساس احتياجات منطقة رأس الخير الوليدة؛ وأهمية التركيز على مشاريعها الضخمة. شيء من هذا لم يحدث؛ وأظنه لن يحدث أبدا؛ فالكفاءة الإدارية قادرة على توزيع العمل وضمان النجاح في منطقتين متوازيتين ومنفصلتين عن بعضهما البعض. تجاوزت الهيئة الملكية التنمية الصناعية وباتت تركز كثيرا على تنمية الإنسان والمكان؛ وتسعى جاهدة لتقديم الخدمات بأنواعها؛ وعلى رأسها التعليم؛ والصحة؛ والإسكان. ولم أتفاجأ حين سمعت عن جهود الهيئة الملكية في فتح باب الابتعاث لتلبية احتياجات مرافقها الخدمية؛ وعلى رأسها القطاع الصحي؛ الذي تديره بكفاءة عالية. وأضاف البوعينين أنتقل إلى قطاع الإسكان؛ الذي أتمنى أن تستفيد منه وزارة الإسكان؛ وأحسب أن تجربة الهيئة الملكية في تطوير وبناء المدن السكنية؛ هي التجربة الرائدة في المملكة؛ وهذا يدفعنا إلى مناشدة الجهات المسؤولة للاستفادة من هذه الخبرات المتميزة التي أثبتت نجاحها على أرض الواقع. نكثر من استخدام مصطلح التنمية المستدامة التي تعتبر هدفا للحكومة والمواطنين؛ وتبقى مدينة الجبيل الصناعية النموذج الأبرز لها حتى الآن. وبين فضل تبحث الدول المتقدمة عن نماذج النجاح الفريدة لاقتباسها؛ والاستفادة منها؛ وبما يحقق لها أهداف التنمية والبناء وتطوير الاقتصاد. وهذا يقودنا إلى تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، في تخطيط وبناء وإدارة المدن، وما حققته من نجاح مشهود على الجانبين المدني والصناعي نجاح الهيئة الملكية لم يقتصر على الجانب المدني فحسب بل تجاوزه إلى القطاع الصناعي، فحققت التكامل الأمثل بين القطاعين وعلى مستوى عال من الجودة التي أهلت الجبيل الصناعية لاحتلال مراكز متقدمة في تصنيف المدن العالمي. وبقياس عوائد الإنفاق الحكومي، نجد أن الريال المنفق في الجبيل يحقق عوائد تقارب 12 ريالا؛ وهو ما لم يحدث البتة في أي من مدن المملكة التي تعاني من تآكل الإنفاق الحكومي مقارنة بالإنجازات على أرض الواقع. ولفت الاقتصادي فضل البوعينين إلى أن تجربة الهيئة الملكية تمثل نموذج يمكن اقتباسه بأمان، فيحقق للوطن الأهداف التنموية وفق نظرة استراتيجية محكمة. وأستشهد اليوم بأمانات المناطق التي تعاني كثيرا في إدارة مشاريعها التنموية؛ وهي لا تعاني نقص التمويل بل ربما تحصلت على موازنات تفوق موازنة الهيئة الملكية، تحتاج إلى كفاءة التعامل مع مشاريع التنمية من جهة، والبلديات التابعة لها من جهة أخرى. أجزم بأن نقل تجربة الهيئة الملكية بالجبيل لأمانات المناطق ومطالبتها بتطبيقها دون تغيير ستحقق لنا النقلة الحضارية التي ننتظرها منذ الخطة الخمسية الأولى. مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان تمثلان النموذج التنموي الرائد في المملكة؛ وهو نموذج غير مسبوق؛ ترجم رؤية القيادة بدءا من الملك خالد؛ مرورا بالملك فهد رحمهما الله؛ ووصولا الى الملك عبدالله الذي أحدث نقلة نوعية في المدينتين الصناعيتين؛ ودعم توسعتهما؛ وضخ فيهما استثمارات حكومية ضخمة نجحت في جعل المرحلة الثانية من المشروع متفوقة على المشروع الرئيس. وقال طلعت حافظ الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية إنه دون شك منذ إنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع شهدت الصناعات البتروكيمائية تطورا ملحوظا بل تجاوزت الرؤية المحلية إلى الإقليمية والعالمية، حيث أصبحت هذه الصناعات يشار إليها بالبنان لمدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين كما أصبحت مطلوبة على المستوى العالمي لما تحظى به من الجودة. وأضاف حافظ كما نجحت الهيئة الملكية في جذب الاستثمارات سواء على المستوى المحلي أو العالمي في الصناعات البتروكيمائية وحققت المملكة من خلال هذه الصناعة شركات نوعية عالمية حيث تجاوزت استثمارات الهيئة في هذه الصناعة 84 مليار ريال مما أحدث تطويرا نوعيا في مدينتي الجبيل وينبع على مستوى الصناعات والجودة والنوعية. وأشار حافظ إلى قيام أكثر من 233 صناعة واستثمارات بلغت 240 مليار ريال وهذه الاستثمارات ساهمت في إيجاد 107 آلاف وظيفة في نطاق المدينتين الصناعيتين، كما استقطبت المدينتان 145 ألف نسمة من المواطنين الذين لم تدخر الهيئة من توفير أفضل سبل الراحة في المساكن التي خصصت لهم وفق المعايير العصرية. واختتم حافظ حديثه بقوله إن ما حققته الهيئة الملكية للجبيل وينبع عبر السنوات الماضية يعد نموذجا للمدن الصناعية الحديثة والقادرة على إدارة المدن الصناعية والسكنية والحفاظ على البيئة والعمل على تحويلها إلى مناطق جذب استثمارات وسواعد أبناء الوطن للعمل في مصانع تلك المدينتين الصناعيتين. تأسيس الهيئة الملكية يذكر ان الهيئة الملكية للجبيل وينبع تأسست في بداية عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، يرحمه الله، وتحديدا في 16 رمضان 1395ه الموافق 21 سبتمبر 1975م، وقد أسند لها مهام إنشاء وإدارة وتطوير مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، حيث أصبح لهذه الهيئة فيما بعد دور ريادي وقيادي في تجهيز البنية التحتية لقيام الصناعات البتروكيماوية والتعدينية والتحويلية، إضافة إلى دورها في دعم عجلة التنمية باعتبارها احد أهم روافد الاقتصاد الوطني، وتعد مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان نموذجا سعوديا فريدا يحكي قصة التخطيط المقرون بالعزيمة، وقد بدأت تتضح ملامح هذا المشروع الوطني العملاق عندما تم تشكيل أول مجلس لإدارة الهيئة الملكية برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، يرحمه الله، ولي العهد آنذاك، حيث أسند لهذه الهيئة الفتية إنشاء البنية الأساسية وتوفير كل ما تحتاجه الجبيل وينبع الصناعيتان من بنية أساسية للصناعات المعتمدة على الغاز الذي كلفت شركة ارامكو بتجميعه وإمداد المدينتين به، وفي نفس الأثناء تأسست الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) لتتولى مهام الصناعات البتروكيماوية. وانتهجت الهيئة أسلوبا فريدا في العمل الإداري حيث منحت الصلاحيات الكاملة والاستقلال الإداري والمادي والدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة، وكان لهذا الأمر بالإضافة إلى المرونة التي تعمل بها، الأثر الواضح في التغلب على جميع التحديات والعقبات، وتحويل الحلم إلى حقيقة، مع الحفاظ على بيئة صناعية آمنة وفق أفضل الشروط والوسائل التقنية في هذا المجال. إن أولى الخطوات الإيجابية التي اتخذت عند تأسيس الهيئة الملكية هو اختيار موقعين استراتيجيين لإنشاء مدينتين تحتضنان الصناعات البتروكيماوية، فالجبيل تم اختيارها لقربها من منابع النفط الخام والغاز الطبيعي، وينبع اختيرت لقربها من أهم خطوط الملاحة العالمية وقناة السويس، وانشئ كذلك ميناءان صناعيان أحدهما على الخليج العربي والآخر على ساحل البحر الأحمر، وفي ذات الأثناء أنشأت الهيئة الملكية قنوات التبريد بمياه البحر لتوفير امدادات منتظمة لا تنقطع من مياه الخليج والبحر الاحمر للصناعات الأساسية في كلتا المدينتين، وقد روعي في التصاميم الهندسية للمدينتين تقسيم كل مدينة إلى نطاقات صناعية وأخرى سكنية، ووفرت كافة الخدمات اللازمة لأي تجمع بشري كالمدارس والكليات والمستشفيات والمجمعات التجارية والمرافق الترفيهية وأماكن الاستجمام وغيرها من المرافق والخدمات مما جعل المدينتين مثالا للتخطيط العصري، كما روعي في التصاميم الهندسية للمدينتين التوسعات المستقبلية المتوقعة وهو ما حدث بالفعل، حيث وضعت الهيئة الملكية قبل نحو عشر سنوات خطتها لتوسيع قاعدة الصناعات في المدينتين بتجهيز البنية التحتية اللازمة لمشروعي الجبيل2 وينبع2، اللذين أصبحا حقيقة على أرض الواقع، وقد تشرفت الهيئة الملكية بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمدينة الجبيل الصناعية في عام 1425ه ولمدينة ينبع الصناعية في عام 1426ه حيث دشن، يحفظه الله، هذين المشروعين العملاقين.