نور.. طالبة كلية الاجتماع، وقفت وسط آلاف المكبرين والمهللين وقد توشحت بالرداء الأبيض تدعو الله تعالي مع الآلاف وتطلب المغفرة والعفو والصفح من البارئ القدير.. في يوم عرفة وفي أيام الحج المباركة طلب الآلاف العفو والفرج واغتسلوا من ذنوبهم بالدموع الصادقة. هذه مقدمة لازمة لقصة زواج نور التي أكملت دراستها في الصف الأول الثانوي فتقدم لها أحد أقاربها يطلب يدها وكان يكبرها بخمس سنوات فتبادر لذهنها ليلة العمر والفستان الأبيض والطرحة وكيف سيكون عش الزوجية وهل ستكون زوجة مناسبة.. وتكاثرت الأسئلة في مخيلتها.. خفوت العاطفة تواصل نور: فرحتي تضاعفت عندما عرف أهلي أن العريس ذو أخلاق حميدة وسيرة حسنة فتمت الخطوبة والملكة وزادت أحلامي. في خيالي منزل الزوجية بأثاثه وألوانه، وزادت أحلامي، وتتدفق مشاعري عندما كان يزورنا أو يحدثني بالهاتف نجتهد في الدراسة.. أنا في الثانوية، وهو في الجامعة ولم يخطر ببالي أني سوف أستيقظ من الحلم على واقع مرير؛ فبعد تخرجه من الجامعة وأنا ما أزال في الصف الثالث ثانوي بدأت زيارته تقل ومكالماته الهاتفية تخفت.. وهو الذي لم يكن يمر يوم إلا ويهاتفني. تستمر نور في حكايتها: سألته عن سبب جفائه وانقطاع مكالماته فكان يبرر بانشغاله.. لم أعرف نوع هذه الملهيات التي تمنعه عني ثم كانت الصاعقة عندما تسلم والدي ورقة طلاقي قبل اختباري النهائي بشهر واحد ..لا أعرف كيف أصف شعوري لحظتها لكني شعرت بنفسي معلقة بين السماء والأرض وظل السؤال يلح على خيالي.. لماذا؟ لم أجد إجابة لكني وجدت مواساة وعزاء من عائلتي ومحاولات فاشلة في التخفيف من صدمتي وأحزاني فوضعت كل همي في المذاكرة وقدمت إلى الاختبار وأنا على يقين بأني لن أنجح.. والمفاجأة المذهلة في نجاحي بتقدير جيد جداً وتقدمت الجامعة ونلت القبول. رفيقة الحج في الحج رافقت نور والدها بعدما أصرت على ذلك فكانت معهما الوالدة.. مضت إلى الحج مثقلة بالهموم تحمل جرحا عميقا لا يعلم مداه إلا الله.. تسأل نفسها عن سر تغيره ذلك.. ورغم الهموم والأحزان أدت الفريضة وشعرت بإحساس إيماني عميق. وتدعو ربها بالصبر والاحتساب.. «مضينا إلى مخيمنا الذي يضم عددا من السيدات باختلاف أعمارهن وكنت أصغر من في المخيم سنا وكانت معنا امرأة سبعينية هي أكبر من في المخيم إلا أن في وجهها ظل يشع نور وشعرت في حديثها بارتياح كبير فظللت ألازمها أغلب الوقت. حرصت على خدمتها وفي المقابل تكثر لي الدعاء وتتحدث معي وتتعامل معي برقة.. توقظني في منتصف الليل كي تهديني قطعة حلوى أو كيكة ثم تنتظرني حتى أنام فتوثقت علاقتها بي. وعندما حان الرحيل وجدت نفسي أبكي بحرقة لمفارقتي لها وكأني أفرغ شحنة بداخلي شحنني بها خطيبي وفي ساعة الوداع التقطت رقم هاتفي من والدتي وما إن وصلنا للمنزل إلا ووالدتي تتلقى اتصالا منها تطمئن فيه علي واستمرت محادثاتها مع والدتي ومعي طوال السنة التحضيرية في الجامعة. خطيبي صريح ذات يوم سجلت السيدة الوقورة منزل أسرة نور فقد حضرت لتطلب يدها لأحد أبناء أقاربها وبعد سؤال والدها عنه عرف أنه ذو أخلاق عالية وتمت الخطوبة ولكن الخوف من التجربة الاولى كان يسكنها.. «عرف خطيبي عن خطوبتي السابقة من قريبته العجوز فأشعرني ذلك بنوع من الأمان وكلما مر يوم على خطوبتنا زاد حبي واحترامي لخطيبي حتى عندما طلبت منه أن يؤخر الزفاف إلى ما بعد تخرجي لم يتردد رغم أننا لم نشترط ذلك .. وكان يساعدني في دروسي والآن وأنا على أبواب التخرج أثثنا أنا وهو عش الزوجية وننتظر تخرجي لنبدأ حياة جديدة أساسها الصراحة والاتفاق على أي قرار.. وأن هذه الحياة مشتركة ولا يحق لأحدنا اتخاذ قرار بمفرده والآن لم أعد نادمة على ما أحدثه لي خطيبي الأول ولم أعد أسأل لماذا.. فقد أبدلني الله خيراً منه فكان ذهابي للحج بوابة فرج لي من الله تعالى.