يعود رفض المملكة الجلوس في مقعد الدول غير الدائمة العضوية بمجلس الامن، إلى قناعتها بأن الدول غير دائمة العضوية لا تؤثر على قرارات الدول الكبرى التي تستفرد باتخاذ القرارات وفق مصالحها وبما منحه لها الميثاق من استحقاق الفيتو، فباتت هذه الدول تتحكم بالسلام والأمن الدوليين اللذين قامت منظمة الأممالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية من أجل إحلالهما في العالم. المملكة رأت أن مجلس الأمن يتقاعس عن أداء دوره وعن تحمل مسؤولياته وباتت كل قراراته مشوشة ويشوبها الخذلان، وبات يعتمد سياسة الكيل بمكيالين تجاه عالم جديد فيه الكثير من الأزمات والصراعات المنوط بمجلس الأمن مسؤولية حلها، إلا أنه وبدل إيجاد الحلول راح يتخاذل خاصة تجاه قضايا العالم العربي ما أدى الى تفاقم أزمات المنطقة. ولم تتوقف خيبات العالم بسبب اهتزاز مصداقية مجلس الأمن، حتى جاءت الأزمة السورية والتي يبدو أنها تسير على خطى القضية الفلسطينية، إذ وضع اللاعبون الدوليون الفاعلون ملفها في أدراج مجلس الأمن وقاربت عامها الثالث من الصراع والعالم كله يقف عاجزاً عن اتخاذ قرار حاسم بسبب تضارب المصالح بين الولاياتالمتحدة وروسيا. فقد تم عرض ملف الأزمة السورية أكثر من ثلاث مرات على طاولة مجلس الأمن لكي يتخذ أي قرار حتى لو مجرد إدانة للمجازر والوحشية التي مورست بحق الشعب السوري، لكن للأسف كان الفيتو الروسي بالمرصاد تارة، والمصالح الأمريكية ومعها مصلحة إسرائيل تارة أخرى. استحقاق النقض الذي تستخدمه الدول الخمس الكبرى، أفلت من قبضة منظمة الأممالمتحدة قدرتها على إحقاق العدل السياسي بين دول العالم، فالدول العربية مثلا لا يحق لها استخدام الفيتو وها قد مضى 68 عاماً والمنظمة الدولية عاجزة عن إجراء أي تعديل أو حتى أن تتقدم باقتراحات تعديل كان لازماً أن تتخذها، خاصة وأن هناك عالماً يتغير من حولها، ثانياً أن ميثاقها لم يعد بمقدوره ملاقاة هذا العالم وأزماته فوقف وقفة العاجز وكان السبب دائماً أن الدول الخمس دائمة العضوية لن تتنازل عن حق النقض الفيتو الذي عرّض «هيبة» الأممالمتحدة ومجالسها للاهتزاز وربما سيؤدي هذا التعنت إلى القضاء على هيبتها كلياً. الأممالمتحدة ما زال أمامها فرصة وحيدة للإصلاح وفقاً لخارطة العالم الجديد والقوى الدولية الجديدة، فتعمل أولا على إلغاء أو تخفيف استحقاق «النقض الفيتو» ورفع مقاعد العضوية الدائمة فضلاً عن اتخاذ قرارات تنطلق من روح قيمتها ومبادئها وليس من منطلق ما تمثله مصالح الدول الخمس الكبرى، وإلا فإننا أمام حل أخير أن يصار إلى استبدال المنظمة كما حصل مع عصبة الأممالمتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، أو أن يصار إلى استحداث منظمة رديفة. * (أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية)