المن مذموم، وفي المثل:(من بيد أسداها) إذا قرع بها، وهذا يدل على أنه قطع الإحسان، ولقبح ذلك قيل: (المنة تهدم الصنيعة) قال أبو عبيد: رجل منونة، كثير الامتنان، بأن يقول: (خدمتك ونفعتك وسعيت في حاجتك). ويزداد الأمر سوءا إذا كان ذلك أمام الناس، إما تلميحا أو تصريحا، لما فيه من تكدير وتغيير تنكسر منه القلوب. إن المن صفة مذمومة، والمتصف بها آثم، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل) وقال القرطبي: (المن غالبا يقع من البخيل والمعجب). وسمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل: (فعلت إليك وفعلت. فقال ابن سيرين: اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي). وقال بعض البلغاء: (من من بمعروفه أسقط شكره) وقال الشاعر: أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ... ليس الكريم إذا أسدى بمنان قال يونس النحوي: (الأيدي ثلاث: يد بيضاء، ويد خضراء، ويد سوداء، فاليد البيضاء هي الابتداء بالمعروف، واليد الخضراء هي المكافئة على المعروف، واليد السوداء هي المن مع المعروف). إن من يمن بمعروفه وإحسانه لغيره، كمن يبني بيتا ثم يهدمه، أو كمن يغزل غزلا ثم ينقضه، فعلى التاجر أن لا يمن بما قدم لغيره، وعلى الوجيه أن لا يمن بشفاعته، وعلى كل من أسدى معروفا لأحد أن لا يمن بذلك، فإن المن له مرارة وغصة يتجرعها المستفيد من ذلك المعروف، يتمنى أنه لم ينتفع من المان، فالمن صفة دنيئة وخلق سيئ ينافي صفة الكرم والجود، ومن كانت فيه خصلة المن فليجاهد نفسه بمدافعتها ما استطاع، وليحتسب الأجر من الله فيما يصنع من معروف، ولا ينتظر شكرا ولا جزاء من أحد من البشر، وليخلص لله في ذلك، فلا يعمل معروفا طلبا للرياء والسمعة أو حبا لثناء الناس عليه في المجالس أو في وسائل الإعلام، فإن من علامات الإخلاص أن يكره المرء ذكر أعماله الخيرة في الناس. عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير