العيدية.. تأخذ أشكالا وصنوفا، فهي الهدية الحميمة التي تهدى للأطفال والصغار في الأعياد، وهي تعكس فرحة الطرفين المهدي والمهدي له. وقد رصد المؤرخون مرجعيتها في بعض الأزمان وكان أكثر ما يلفت النظر هي كلمة (عيد) نفسها إذ إنها تعني كثرة عوائد الله على عباده من غفران الذنوب. ويذكر المؤرخون العرب أن العيدية ترتبط بالعيد فهي لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على كل ما كانت توزعه الدولة أو الأوقاف من نقود في موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى كتوسعة على أرباب الوظائف. العيدية عرفت ب«الرسوم» في أضابير الدواوين الحكومية ويطلق عليها التوسعة في وثائق الوقف. وإذ كنا نقدم لصغارنا العيدية هذه الأيام. فإن الفاطميين حرصوا على توزيع العيدية مع كسوة العيد خارجا عما كان يوزع على الآخرين بمناسبة ختم القرآن ليلة الفطر. وقد أخذت العيدية الشكل الرسمي في العصر المملوكي وأطلقوا عليها الجامكية. وكانت تقدم العيدية على شكل طبق تتوسطه الدنانير الذهبية، ويحيط به الكعك والحلوى، ولكن لكل زمن وعصر فرحة خاصة اختلفت باختلاف التطور الذي نعيشه، فقد كان مبلغ «العيدية» سابقا زهيدا جدا ولكن الطفل يفرح به كثيرا ويحاول أن يشتري ما يحلم به طول العام كشراء دراجة هوائية أو حقيبة جديدة أو لعبة بسيطة. أما في الوقت الحاضر فتغيرت اهتمامات الطفل بتغير عصر التكنولوجيا، حيث أصبحت المادة متوفرة، ومتطلبات الطفل متاحة له على مدار السنة ولديه مصروف شهري يستطيع شراء ما يرغب به في أي وقت فمبلغ «العيدية» الآن لا تكفي بمتطلباتهم لشراء بعض الأجهزة الإلكترونية والألعاب الحديثة أو شراء هاتف محمول يطمحون إليه. عيدية.. ولكن «عكاظ» رصدت السعادة والبهجة في عيون أطفال من الرياض بعدما نالوا عيدياتهم، وقال محمد ذو الست سنوات إنه تحصل على مبلغ 500 ريال من العيدية لا يكفيه هذا المبلغ على شراء جهاز «آيباد ميني» ويتمنى من والديه زيادة ما جمعه ليشتري ما يطمح إليه. وذات الحال للطفل مازن المرزوقي الذي جمع نحو 700 ريال لا تكفي لشراء جهاز محمول مطور يرغب فيه. أما أحمد عبدالله ذو السبع سنوات فعبر عن فرحته بما جمعه من مبلغ برغم حاجته للمزيد لشراء ما استهواه منذ زمن. وقال محمد خالد (9 سنوات) إن مبلغ العيدية الذي جمعه لا يكفي لما خطط له لشراء «إكس بوكس» لذا لا بد من زيادة المبلغ من المصروف ليحصل على ما يريده. في انتظار الفرق الطفلة آمال الدخيل ذات الأربع سنوات ذكرت وسط ابتسامتها الصافية «سأشتري مسبحا مائيا صغيرا للمنزل لأستطيع السباحة فيه طول العام مع أختي.. حصلت على مبلغ بسيط وأحتاج للمزيد من بابا وماما». وتضيف آمال أنها عندما تكبر ستشتري كل ما تتمناه. وتحتج زينب الشيخ على معايدة الكبار لبعضهم بالعيديات وتقول إن العيدية مخصصة أكثر للأطفال وقالت إنها جمعت مبلغ 500 ريال لا تكفي لشراء آيباد مني، وأضافت «أبي وعدني بأن يدفع لي الفرق»، أما الطفلة شيخة الحسينان فستشتري بمبلغ العيدية هدية لوالدتها معبرة لها عن شكرها وحبها العميق. استغلال الفرحة مجموعة من أولياء الأمور، ممن درجوا على تقديم العيدية لصغارهم في البيت والأسر القريبة عبروا عن حزنهم واستيائهم لما أطلقوا علىه استغلال تجار ألعاب الأطفال فرحة العيد للتكسب والتربح وقالوا إن هؤلاء زادوا من أسعار اللعب والأجهزة الإلكترونية لتحقيق مكاسب مادية في العيد وهو الأمر يحول الكثير منهم في عدم تحقيق رغبة أبنائهم بعد استنزاف الجيوب في شهر رمضان والإجازة الصيفية. وقال المواطن بدر الشهري وبصحبته 6 أولاد «العيد في العصر الحالي يحتاج إلى تخطيط مالي مسبق بعكس حياتنا البسيطة في السابق، فالمبلغ الذي نجمعه كان يلبي رغباتنا لشراء ما نتمناه بالإضافة إلى أننا كنا نستطيع الاستفادة من المبلغ المتبقي للذهاب لمدينة ملاهي والاستمتاع باللعب، أما حاليا فمتطلبات الأبناء تفوق استطاعتنا ولا يريد الإخوان المشاركة في جهاز واحد فكل طفل يريد جهازا أو لعبة مستقلة وهذا ما يسبب لنا الحرج مع أبنائنا». اختراق الميزانية حامد الشارخ يشارك الشهري قائلا «وكأننا في معركة الأسعار أيام العيد هناك مغالاة واضحة تعكر صفو العيد خاصة الأطفال، نحاول أن نفرغ ما في جيوبنا من أجل إسعادهم».. وتقول أم أحمد المبيريك مع 4 من أبنائها إن الحركة التسويقية تبدأ بالارتفاع من أواخر شهر رمضان وحتى العودة إلى المدارس فيعيش رب الأسرة في قلق مستمر والأطفال في عصرنا الحالي لا يكتفون بشيء واحد بل يطلبون المزيد. وترى خالدة الحسينان المعلمة في إحدى المدارس الثانوية أن مبلغ العيدية الذي توارثنا أن نجمعه أصبح لا يفي بمتطلبات الأبناء حاليا وهذا يسبب لنا عبئا ثقيلا فأحيانا نضطر أن نعايد أبناءنا ب400 ريال للفرد الواحد. وتصف أم عمر الرشيد بأن فترة العيد معاناة واختراق لميزانية الأسرة. فرحة واسى الجد أبو عبدالله الشهري يقول إن طلبات أحفاده غريبة ومكلفة وخاصة ما تتعلق بصيحات العصر فالعيد مفرح الأطفال ومنغص صفو الفرحة في عيون الآباء حسب تعبيراته، ويتفق معه مستشار قضايا الأسرة والمحلل النفسي هاني الغامدي فيقول ل«عكاظ» إن العيدية لا تعطي الكفاية الشكلية وتسبب ضغوطا لدى الآباء والأمهات، والأطفال لا يدركون ذلك وبالتالي يضطر الكثير من الآباء إلى محاولة الموازنة بين مصاريف رمضان والإجازة الصيفية والعيد أو يضطر بعضهم للاقتراض ليجدوا لأنفسهم مخرجا مرضيا لأبنائهم. وأضاف الغامدي «نحن في زمن أصبحت المتطلبات كثيرة والمغريات كبيرة، فليس أمام الأب سوى أمرين: إما أن ينقص مبلغ العيدية التي اعتاد أن يوزعها على الأطفال أو أن يلغيها تماما وبهذا لن يرضى عن نفسه ولا سبيل له غير ذلك». ووجه الغامدي نصيحة لأولياء الأمور بأن يكون التجهيز لرمضان والعيد مع بداية العام الهجري حتى يستطيع تغطية مصاريفه العالية بكل راحة دون أعباء نفسية أو مادية.