تجتمع الظروف المعيشية الصعبة لتحاصر مسنات في دار أعدت لهن في جدة كأول دار تعد مأوى للمسنات ممن تقطعت بهن السبل، وتشرف على الدار جمعية البر في جدة وتقدم خدمات منوعة لهن، في حين تروي نزيلات الدار قصصا وحكايات عن معاناتهن وسبب ما أوصلهن إلى هذا المقر. أم ليلى مواطنة في ال60 أرملة تعاني من أمراض الشيخوخة مثل هشاشة العظام والضغط والسكر، لكنها رغم ذلك تتميز بالمرح والفكاهة وتوصف بين معارفها أنها «اجتماعية» تتداخل مع جميع المسنات في الدار كونها اقدم المسنات في الدار، تعيش أم ليلى على الضمان الاجتماعي.. وتقول إن لديها ابنة متزوجة لكنها ترفض منها أن تزورها في الدار حفاظا على نفسيتها وحتى لا تتعرض للإحراج من أن ترى أمها في دار المسنات وتكتفي الأم بزيارة ابنتها كلما أتيح لها واستطاعت لذلك سبيلا. أم أمين صاحبة ال55 عاما فهي أرملة فقدت زوجها قبل 18 عاما، ابنها الأكبر يبلغ من العمر 32 عاما يعمل في المدينةالمنورة في المقاولات، تعاني من إعاقة بسيطة في قدمها وتنتظر أن تتحسن ظروف ابنها المادية لتستطيع أن تسكن معه أو تنتقل جواره. أم محمد بلغت ال65 من عمرها اليوم، ولدت وقضت حياتها في حارة الشام والمظلوم في جدة القديمة ومازالت إلى اليوم تحتفظ بذاكرة حديدية (ما شاء الله) حول تلك المنطقة وسكانها وتفاصيل الحياة القديمة فيها، تروي كيف كان تواصل وتكاتف وتقارب الأهالي وكيف كانت البيوت مفتوحة على بعضها ومعاني الجيرة الجميلة التي فقدها كثيرون في هذا الزمن، وتشرح أم محمد ظروفها فتقول إن لها ابنة متزوجة ولها منها حفيد ولها أيضا ابن، وتذهب إلى ابنتها وحفيدها أسبوعيا لزيارتها كونها حريصة على أن لا تتكبد ابنتها متاعب زيارتها في دار المسنات، فضلا عن إحراجها وإحراج حفيدتها الجامعية من الحضور للدار أو الرباط الذي تعيش فيه مع المسنات. وتتذكر أم محمد كيف أن والدها ووالدتها دفنا في مقبرة أمنا حواء وهو ما دفعها لأن توصي أن تدفن في المقبرة ذاتها، مرددة عبارة «إحنا يا ولدي ما نخاف من الموت.. إحنا ننتظره بفارغ الصبر وإذا طالت أيامنا تكون في جمع الحسنات يا ولدي». وختمت بقولها إنها تعيش على راتب الضمان الاجتماعي ويذهب جله إلى المواصلات وشراء ما تحتاجه من أدوية في حين تشغل نفسها إما بلقاءات مع مسنات مثلها في صالة الضيوف المخصصة لتجمعهن أو مشاهدة التلفاز أو في مشغولات يدوية للتسلية وإضاعة الوقت في حين تسهر في الليل مواظبة على قراءة القران الكريم. أم سامر في ال60 من عمرها زوجت ابنها الوحيد واستقر بها الحال في المنطقة الشرقية لكن ابنها قطع والدته ولم يعد يسأل عنها لا سيما أن زوجته منعته منها، وبعدها استقر بها الحال في دار المسنات. أما الخالة أم محمد صاحبة ال77 عاما، فقد تحدثت بدموعها وهي تروي كيف فقدت ابنها الوحيد محمد الذي احترق قلبها على رحيله واشعل فيها نار الفراق الذي لم تطفئه السنوات، وبعد أن كفكفت دموعها وتماسكت لتلتقط اطراف الحديث، وتشرح وضعها حيث إنها مقطوعة من شجرة، فأغلب أفراد أسرتها يقيمون في سوريا ولا تعلم عنهم شيئا، وتعاني من ظروف مادية فهي تحتاج إلى علاج لخشونة الركب يكلفها شهريا خمسمائة ريال وليس لها مصدر دخل وتتلقى معونات من بعض المسنات ومن بعض الذين عرفوا قصتها لكنها كما قالت أصبحت منكسرة أمام الحاجة ولا تستطيع السير كثيرا على قدمها إلا بعكاز تتكأ عليه بعد أن فقدت كل من تعرف وأصبحت مقطوعة إلا من أهل الخير والإحسان تنتظر من يستطيع إعانتها على مصاريف الحياة. أما السيدة أم عمر فقد عانت ظروفا صعبة مع أبنائها حيث لها من الأبناء من هو مهندس وطبيب وطيار وانتهى إلى أن تسكن في رباط المسنات، وتقول إنها تركت منزلها الذي تعيش فيه بعد أن تخلى عنها أبناؤها الخمسة وتزوجت مرتين في حياتها وعاشت ظروفا اجتماعية شائكة. أما السيدة جليلة فتعتبر اصغر نزيلة بين المسنات وعانت من أشقائها حسب كلامها حيث تقاسموا الإرث بعد وفاة والدها. وتروي السيدة أم صلاح قصتها حيت إنها أرملة وعليها ديون بأكثر من 75 ألف ريال بأحكام قضائية واضطرت إلى الانتقال إلى دار المسنات للسكن فيه بعد أن ضاقت بها الأماكن وتكالبت عليها الظروف. وأخيرا التقت «عكاظ» جود الأحمدي الطالبة في جامعة الملك عبدالعزيز والتي تؤدي ساعات في الخدمة الاجتماعية حيث اختارت من خلال دراستها ان تقدم خدمات عبارة عن علاج طبيعي مجاني للنزيلات في الدار. مديرة دار المسنات فايقة توفيق قالت إن دار المسنات عبارة عن بناية في حي الشرفية مكونه من 6 طوابق يستوعب 64 ساكنة وتهدف الدار إلى العناية بهذه الفئة و تقديم الرعاية لهن وتحقيق الأمن النفسي والاجتماعي والاستقرار ومحاولة حل مشاكلهن مع ذويهم من خلال النصح والإرشاد ومن خلال تقديم البرامج التوعوية لهن عن طريق البرامج والأنشطة المنوعة. وأضافت فايقة توفيق: توجد باحثة اجتماعية ومشرفات على مدار الساعة وبعض المتطوعات وتقدم للمسنات برنامج رعاية صحية فضلا البرامج الترفيهية والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها. وعن شرط الفئة العمرية لقبول المسنات في الدار قالت أن يكون عمر المتقدمة أكثر من 50 عاما فيما يتراوح أعمار المتواجدات حاليا ما بين ( 55 - 90). وعن الناحية الصحية للمسنات قالت: أغلب الساكنات يعانون الشيخوخة من أمراض السكر، الضغط، الكولسترول، هشاشة العظام، روماتيزم القلب، ضيق الصمامات، الغدة الدرقية، خشونة العمود الفقري، أمراض العيون، اضطرابات ضربات القلب، خشونة واحتكاك في الركبتين، ومشاكل نفسية. ومن شروط قبول المسنات أن تكون المتقدمة أرملة أو مطلقة أو مسنة سعودية أو تحمل إقامة نظامية، وأن تثبت الفحوصات خلوها من الأمراض المعدية، وأنه لا يوجد لها من يعيلها أو يرعاها على أن تلتزم بجميع الأنظمة واللوائح والتعليمات. وتلتزم بمواعيد الدخول والخروج المحددة من الساعة السابعة صباحا إلى الحادية العاشرة مساء. وحول الأنشطة والرحلات المعدة للمسنات قالت: يعد جدول الرحلات والأنشطة بشكل شهري يشمل الرحلات خلال الشهر ومن الأماكن المفضلة للساكنات الجلوس على شاطئ البحر، كما يوجد أنشطة داخلية. وأوضح رئيس مجلس إدارة جمعية البر بجدة مازن بترجي بأن الجمعية تقدم برامجها المختلفة لنزيلات دار المسنات لرعاية المسنات عبر قسم رعاية المسنات تحقيقا لمفهوم البر لهذه الفئة من المجتمع إيمانا منها بمسؤوليتها الاجتماعية وانطلاقا من الدور الإنساني المناط بالجمعية ومحبتها وإعزازها لكبار السن الذين يجدون أنفسهم في وحدة. وأضاف بترجي بأن الجمعية خصصت للنزيلات برنامجا وقائيا بهدف صقل شخصياتهن، وتعتمد الجمعية على تنفيذ برامج ثقافية وترفيهية من أجل حفظ الحقوق المعنوية لكبار السن والظواهر والمشاكل النفسية لآثار الشيخوخة، مبينا بأن الدار تعمل على احتواء المسنات ممن لا عائل لهن، فضلا عن رعايتهن بالإحسان ورعاية من تركهن من هم أحق برعايتهن من الجمعية. وأشار بترجي إلى أن الجمعية تعمل على إحياء التكافل الاجتماعي للمسنات من خلال توفير الرعاية الاجتماعية والإنسانية والنفسية لهن، وتوفير المناخ المناسب لهن فضلا عن توفير العلاج والخدمات الصحية والمتابعة السريرية. وكشف بترجي بأن الجمعية أطلقت برنامج كفالة المسنات يشمل العلاج والإعاشة والكسوة والسكن والتأهيل وتوفير الأثاث المناسب، وتجهيز الغرف الخاصة بكل مسنة، وتنفيذ البرامج الدينية والثقافية والاجتماعية، وتنظيم الرحلات الترفيهية، واستقبل الزوار وقضاء وقت مع المسنات وتوزيع الهدايا في المناسبات، وأداء فريضة الحج والعمرة لمن تستطيع.