الكلمة الصادقة في الحديث هي تلك الخطوة الواحدة الصغيرة. حسبك كذبة أولى تستصغرها وتلقيها أو تجيب بها على استفسار ما، ستلحقها بكذبة تبررها ثم بثالثة فرابعة، ويتوالى الكذب ويتراكم معه قلق وضيق وخوف يتعاظمون أشد مما يتعاظمون مع كلمة الصدق الواحدة لأن سلسلة الكذب تطول! هذا هو الحال الذي يكتب فيه المرء عند الله كذابا كما جاء في الحديث المعروف. إن كثر الكذب هان على صاحبه ثم اعتاد عليه ثم صار ضرورة حتى يصل إلى تصديق نفسه وأن كلامه حق لا نقاش فيه. ومع ازدياد الكذب يؤلف صاحبه لنفسه الأعذار، إلى أن يستمرئ التلفيق والزيادة والانتقاص والمراوغة فيكتسب الثرثرة والنفاق ثم يبدأ في الدفاع عن كذبه بالأيمان الغليظة وإلى حد مخاصمة من لا يصدقه! الكذاب لا تطمئن لأقواله وقصصه وآرائه ونقله ولا تأخذ منه علما ولا تثق بعمله لأنه ببساطة في منزلة الذي يغش في بضاعته. ان كنت ترى نفسك شجاعا أمينا مؤمنا لا تخاف المخلوق فابدأ بألا يكون في كلامك كذب وتمويه وتلوين مهما كان وهمك لسببه، بعدها تعش هانئا بشخصية واضحة. في ثانية واحدة وفي أي مرحلة كنت، الرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل، قاعدة صلبة خالدة. ليس كل واحد يقبل الحقيقة! صحيح لكن هذا لا يبرر الكذب حتى مع الذين يقبلون بالحقيقة، وكما يقال ان في المعاريض مندوحة عن الكذب، أي أن في التلميح اللطيف أو الاشارة أو الموقف كفاية وخير وغنى عن التصريح بالكذب. ثم ان من يألف أمانتك وصدقك فسيرضى لرضى الخالق العظيم. أقبح الكذب وأوضحه ما يأتي ممن لا يعرف جهله ويظن أنه عنده علم، وخاصة بوهم منصب وجاه ومال. كم نعاني من أمثال هذا وكم يسيئون في حياتنا. فارس محمد عمر