«هذا المشهد يذكرني بالمأساة الفلسطينية».. بتلك الكلمات البسيطة يصف الحاج أحمد، وهو راع أردني مسن، قوافل النازحين السوريين وهم يقطعون الحدود السورية الأردنية هربا من الموت ومن البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات نظام بشار الأسد.. يحملون على ظهورهم وأكتافهم بعض الحقائب والأمتعة والكثير من القلق والكثير من الخوف، يركضون باتجاه الأمان لكن عيونهم لا تنفك تنظر إلى الخلف.. إلى الأرض التي تركوها خلفهم بما فيها من ذكريات وحنين وتعب السنين. «عكاظ» ومن نقطة السرية الثالثة في الجيش الأردني قرب الرمثا رافقت النازحين السوريين الهاربين من آلة قتل النظام في رحلة الهروب التي يرويها «أبو رامز المحمود» أحد سكان مدينة درعا فيقول ل«عكاظ»: «لم أفكر يوما بترك منزلي لأنني متأكد أن الإنسان خارج منزله يلحقه الذل لكن الليلة الماضية كانت هستيرية، القصف المدفعي والغارات الجوية لم تتوقف وطائرات النظام تسقط علينا البراميل المتفجرة، كل شيء تدمر في بلدتنا، ورائحة الموت تعم كل الأرجاء». يتابع أبو رامز قائلا: «عند الفجر عرض علينا ضابط من الجيش الحر المغادرة بعدما رأى أن الخوف يسيطر على عائلتي، فوافقت لأن ابني الصغير وعمره سبع سنوات بكاؤه متواصل ويعيش حالة نفسية صعبة. وبعد موافقتنا أحضر الضابط سيارة يقودها شباب من الجيش الحر وقاموا بنقلنا إلى نقطة قريبة من الحدود الأردنية حيث سرنا على أقدامنا لمدة خمس عشرة دقيقة قبل أن تستقبلنا دورية للجيش الأردني». العبور من سورية إلى الأردن يكاد لا يتوقف على مدار الساعة فقوافل النازحين تكاد تكون حركة دائمة، وعنها قال لنا أحد الضباط الأردنيين على الحدود إنه «خلال ثلاثة أيام عبر ما يقارب الأربعة آلاف نازح». الحاجة زينة كانت تعبر الحدود مع العابرين وتمتماتها تكاد لا تتوقف، اقتربنا منها سائلين ماذا بقي في درعا فقالت: «لم يبق شيء، فقط الحمير والدجاج والجيش الحر». العابرون للسياج الحدودي يستقبلهم الجيش الأردني لينقلهم إلى الموقع العسكري حيث نصبت لهم خيام كبيرة ينتظرون فيها لتسجيل أسمائهم قبل نقلهم مجددا إلى مخيم الزعتري. داخل الخيمة جلس رجل سبعيني وحوله بعض الفتية والنساء عرف عن نفسه بالشيخ إبراهيم ليهمس أحد الرجال بآذاننا أنه كبير عشيرته، فيخاطبنا الشيخ الجالس جلسة شيوخ القبائل: «لقد وصلنا منذ ربع ساعة بعد مساعدة الجيش الحر لنا، لقد رافقت النساء والأطفال والرجال والشباب بقوا في البلد للدفاع عنها، فرجالنا لا يتركون أرضهم». سنوات القهر تركت على وجه الشيخ إبراهيم بصماتها مما جعل ملامح الحزن لا تظهر بين تجاعيده القاسية، ويتابع قائلا: «بشار مجرم لكن دول العالم تشاركه أيضا لأنها تسكت على جرائمه، لقد قتل الديكتاتور خيرة شبابنا وأحرق سهولنا وقتل قطعاننا وشردنا فقط لأنه يريد السلطة». «نبيهة» امرأة في العقد الرابع كانت تحمل طفلها عندما دخلت الأراضي الأردنية خلال دقائق من وصولنا إلى السرية، فتوجهت نحونا وروت دون أسئلة: «لقد قتل خمسة عشر شخصا من عائلتي منذ بداية الثورة ونحن لم نغادر إلا لأن الأطفال لم يعد لهم قدرة على التحمل، شباب الجيش الحر هم من نقلونا إلى الخط الحدودي ونحن قطعنا باقي المسافة سيرا على الأقدام. في درعا كل شيء يجعلك تبكي، ففي كل منزل شهيد وأكثر المرضى يموتون من قلة الدواء، فيما المازوت غير موجود والبرد قضى على الكثير من العجائز. عانينا الكثير وللأسف العالم لا يتعاطف معنا، نحن لا نريد أغطية وغذاء نريد أن نحرر أرضنا، نريد أن ننهي مأساتنا، وأن نتخلص من هذا الطاغية القاتل الذي أنهكنا وقضى على خيرة شبابنا». وتضيف نبيهة بحزن كبير: «من يتواجد من عائلتي تحت الأرض أكثر مما يتواجد فوقها، لم يعد لدينا ما نخسره، نريد أن يرحل بشار الأسد لنعيش بأمان وسلام». «فايز الزعبي» قال لنا: «اليوم أخرجنا من درعا ما يقارب الخمسين عائلة لأن إجرام النظام وصل إلى مرحلة لا تصدق، فالنظام لا يستهدف مواقع الجيش الحر بل يستهدف المنازل الآمنة، ويحاول الضغط على الجيش الحر عبر المدنيين. أنا سأعود بعد ساعات إلى درعا فهناك عدة عائلات علينا إجلاؤها». «فايز» الذي يبدو من عناصر الجيش الحر يتابع قائلا: «منذ عدة أيام تحول القصف على درعا وقراها إلى ما يشبه الجنون المطلق عبر قصف مدفعي عشوائي وقنابل عنقودية وطائرات ترمي البراميل المتفجرة على الأحياء الآمنة التي لا تحتوي على مواقع عسكرية وهذا التصرف يدل على يأس النظام الذي كما يبدو بدأ يفقد أعصابه ويدرك أن أيامه باتت معدودة. في درعا توجد أكبر ألوية النظام والفرقة الخامسة لكن شباب الجيش الحر قادرون على الانتصار، هو يعلم أن تحرير درعا يعني فتح طريق تحرير دمشق من أجل ذلك يمارس كل أنواع الإجرام فيها». درب الآلام يعبرها السوريون هربا من الموت، حاملين معهم الأمل بالعودة لسورية بلا بشار ولاشبيحة.. سورية السلام والأمن.. لكن هل ستشهد الطريق نفسها عودتهم إلى ديارهم أم أن ما عاشه الشعب الفلسطيني من وعود بالعودة هو حلقة أولى لمسلسل «آلام عربية» ستكون حلقته الثانية سورية النكهة. بين الرمثا في الأردن ودرعا في سورية لا يفصل شيء سوى ضحية لجوء أو كما قال الفنان السوري سميح شقير في النشيد «بيني وبين أهلي وناسي رمية حجر». فسهل حوران يوحد المدينتين ونتاج أرضها لا يميز بين الجنسيتين، إنه سهل الخير وإن جار عليه الطاغية وزبانيته. غدا: مسؤولة النازحين في الزعتري .. الأممالمتحدة خذلتنا