في مسيرة الأوطان نحو البناء والتقدم والرقي تبرز شخصيات مفعمة بالولاء والوفاء، فتجد نفسها غير قادرة على التقوقع والسكون خلف صفحات التاريخ المليئة بالأحداث والمشاهد الإنسانية والمواقف الوطنية التي لا بد أن تدون بأحرف من نور، ومن بين هذه الشخصيات نجد الراحل فؤاد أمين حمزة الذي عاصر الملك عبدالعزيز وعمل معه في مسيرته لتأسيس المملكة العربية السعودية وتوطيد أركانها في مرحلة مبكرة من نشأة هذه الدولة، والذي كان مثالا يحتذى لرجل الدولة الناجح والدبلوماسي الحصيف إلى آخر يوم في حياته، مجسدا ذلك بالحفاظ على الوثائق التاريخية الهامة التي كان لطبيعة عمله دورا كبيرا في وقوعها تحت يده، وها هي اليوم تعود إلى مكانها الطبيعي في دارة الملك عبدالعزيز لتبقى مع الوثائق الأخرى شاهدة على مرحلة هامة من تاريخ الوطن وذاكرته السياسية. وما تقليد سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز في مكتبه لنجله الدكتور عمر فؤاد حمزة بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى إلا دليلا على أهمية تلك الوثائق، وعلى وعي سموه بالتاريخ وأحداثه ومكوناته الحضارية، وتجسيدا لحرصه على صيانة تاريخ المملكة ليبقى منهلا تستمد منه الأجيال الدروس والعبر التي تشكل لها في نهاية المطاف معالم واضحة في دروب التقدم والازدهار. وهذا التقليد من قبل سمو ولي العهد يأتي عرفانا لتقديم نجل الراحل عددا من الوثائق التاريخية المهمة عن تاريخ المملكة العربية السعودية ومذكرات وأوراقا خاصة لوالده الأستاذ فؤاد أمين حمزة، والذي عمل مع الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه منذ العام 1345ه (1926م) وحتى وفاته عام 1371ه (1952م) في بيروت على رأس عمله في خدمة المملكة العربية السعودية، مخلصا لآخر يوم في حياته للأمانة التي أصولاها إياه الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه ليترك قدوة حسنة عبر التاريخ لرجل مخلص وأمين وصادق مع نفسه قبل كل الآخرين، جمع بين دقة الدبلوماسية ومحاذيرها وسعة أفق البحث العلمي والأدب بمخيلته الواسعة والمتفرعة، لكنه لم يمت في الذاكرة الوطنية فقد ترك مؤلفات تسر المؤرخين، وأعمالا جادة في الشأن الوطني وعلى مستوى البلاد، فما من مؤرخ عن تاريخ المملكة العربية السعودية إلا ويذكر أسماء مثل: حافظ وهبة، وفؤاد حمزة، وخالد القرقني، ويوسف ياسين، كما أنه خلف عقبا ممتد الصلة بوطنه، وعلى رأسهم الدكتور عمر فؤاد حمزة الذي يعيش لحظة تاريخية كبيرة حين يتقلد وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى. الوسام جاء تقديرا ووفاء للدكتور عمر ولأسرته على ما قدموه من أرشيف مهم تم إيداعه بدارة الملك عبدالعزيز. وكان الدكتور عمر بن فؤاد حمزة قد أهدى الدارة عام 1429ه مجموعة من الوثائق التاريخية الوطنية المهمة التي كانت بحوزة والده أثناء عمله في تلك الفترة، وكذلك مجموعة من المذكرات الشخصية لوالده التي تحتوي على معلومات تاريخية مهمة ستقوم الدارة بنشرها. وحظي والده الأستاذ فؤاد بن أمين حمزة رحمه الله بتقدير الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، حيث امتاز بالجمع بين العمل الدبلوماسي بما يتطلبه من رحلات وارتباطات داخلية وخارجية والأدب والتاريخ، وكان فذا في كل عمل يناط به بشهادة من قابلوه وتعاملوا معه. فكان فؤاد حمزة اللبناني الجنسية آنذاك، ثم أصبح سعوديا، الآتي من القدس وقبلها من دمشق، ومربي الأجيال الذي عمل مدرسا في ثلاث عواصم عربية، والمجيد للغة الإنجليزية قبل أكثر من ثمانين سنة الرجل المناسب في المكان المناسب، وحيث يكون الإخلاص حاجة ملحة في أعمال الدولة والمجتمع بعيد مرحلة من الحروب والمعارك والمنازعات والمطالبات التي تفرضها رغبة النهوض بالبلاد تكون الحاجة لمثل الأستاذ فؤاد حمزة، وأيضا ما بعد تلك المرحلة الحضارية الحرجة، فالتفاني في العمل مطلب ما دام الإنسان يعمل، فعمل في البداية مترجما خاصا للملك عبدالعزيز عام 1345ه (1926م)، ثم تولى أعمال مديرية الشؤون الخارجية خلال الفترة من 1347 إلى 1349ه، ثم وكيلا للشؤون الخارجية من عام 1349ه وحتى 1358ه، فعين وزيرا مفوضا في باريس في العام نفسه ثم أنقرة عام 1362ه (1943م)، ثم أصبح مستشارا للملك، وقام برحلات ومهمات دبلوماسية عديدة، من أبرزها سفره إلى القارة الأوروبية وأمريكا للتعريف بسياسة المملكة العربية السعودية ومنهجها في التعامل الدولي، فخبر كثيرا من الخفايا في السياسية الدولية، كما كان ضمن الوفد السعودي برئاسة الملك عبدالعزيز يرحمه الله في مؤتمر لوبن للتفاوض مع الملك فيصل ملك العراق، وكان الوفد يضم أيضا كلا من عبدالعزيز القصيبي (وكيل الملك عبدالعزيز في البحرين)، ومدحت شيخ الأرض، ويوسف ياسين، وحافظ وهبة. منح فؤاد حمزة لقب سفير ثم وزير دولة، وهو أول من نال منصب سفير في المملكة العربية السعودية، وذلك لعلو كعبه في الدبلوماسية، وقدراته التفاوضية، وسبقه في هذا المجال ونجاحه في تفاصيله، وهو يملك صورة حقيقية عن شخصية الملك عبدالعزيز، حيث يقول: «إن من أروع مآثر الإمام الملك عبدالعزيز هو تفهمه للمشكلة القبلية تفهم ابن الجزيرة الخبير بها، وعلاجه لها في ضوء مقتضيات الدولة السعودية ومتطلبات العصر، ذلك العلاج الذي كانت له نتائج باهرة بعيدة المدى في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية». وأسهم فؤاد حمزة، من خلال مناصبه الدبلوماسية المتصاعدة، في إنجاز الكثير من المهام والأعمال بتوجيه كريم من الملك المؤسس الملك عبدالعزيز، إذ اختاره ليكون إلى جواره مستشارا خاصا. مؤلفاته وعرف عن فؤاد أمين حمزة الذي بدأ حياته بالتدريس ويجيد اللغة الإنجليزية بحبه للقراءة والبحث والتوثيق، حتى أنه توفي وهو يحضر كتابا عن آثار الجزيرة العربية قبل الإسلام، كما أن عدد عناوين مكتبته التي سلمها لدارة الملك عبدالعزيز بلغ 1257 عنوانا، وتحتوي مجموعات نادرة، وأثرى المكتبة التاريخية الوطنية بتأليف ثلاثة كتب قيمة كانت من بواكير الرصد والتوثيق ذات المرجعية الأصيلة والقوية للتاريخ الوطني، تحوي إحصاءات مبكرة عن الخدمات والسكان، وتطرقت لموضوعات مسيسة بالمشهد القانوني وتاريخ بعض مؤسسات السلطة التنفيذية، مثل مجلس الشورى وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعض مؤسسات السلطة التشريعية التي كان أولها آنذاك القضاء بما يشبه توثيق مكونات السياسة المحلية السعودية في ذلك الوقت، بما في ذلك شكل الحكومة والديموغرافيا السكانية، بما فيها من القبائل وأنسابها والأجناس غير العربية، وصفه كثيرون من العرب والأجانب ممن كتبوا عن زياراتهم للمملكة ومقابلاتهم مع الملك عبدالعزيز يرحمه الله بأنه مفوه بليغ التعبير، قوي اللغة، رطب العبارة، يحتفظ بدبلوماسية راقية وعميقة في أشد المواقف إحراجا، يحظى باستشارة الملك بكل الأمور السياسية. وهذه الكتب هي: كتاب (قلب جزيرة العرب)، وقدم جدولا مفصلا للقبائل العربية في المملكة العربية السعودية، كما حوى الكتاب عرضا وتوثيقا للشؤون الإدارية والأوضاع الحكومية، وبعض الأحداث في تاريخ الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وكتاب (البلاد العربية السعودية): وهو كتاب ألفه فؤاد حمزة، وهو يشغل منصب وكيل الشؤون الخارجية في الدولة السعودية، وتطرق فيه إلى التاريخ الشخصي للملك عبدالعزيز ونسبه وبعض عاداته الخاصة في المأكل والمشرب والنوم والصلاة والقراءة، كما وصف بعض مقتنياته الخاصة والأوسمة التي نالها طيب الله ثراه من دول عربية وغربية، كما تطرق إلى تاريخ الأسرة المالكة والبلاط الملكي كما أسماه، أيضا تطرق للسيرة الشخصية لولي العهد النائب العام الملك فيصل بن عبدالعزيز يرحمه الله ورحلاته خارج المملكة العربية السعودية، والكتاب الثالث (في بلاد عسير)، وخرج للمكتبات عام 1370 ه (1951م)، وكتبه في أعقاب رحلة قام بها سجل خلالها مرئياته ومذكراته اليومية حتى جمعها، وأضاف عليها بعض المعلومات التفصيلية وضمها فيه، وتحدث فيها عن السمات القبلية في عسير وعاداتها الاجتماعية وأوديتها وجبالها، وأهم الأحداث الحربية التي وقعت فيها، متطرقا إلى جوانب تاريخية لكل منطقة إلى جانب الصور الفوتوغرافية و26 مخطوطة نادرة.