اعتماد مبدأ «الثقة الهلامية» بدل الكفاءة والفكر، أفقد المنصب الجامعي قيمته، منذ قديم الزمان والأمم لا تنهض بغير العلم. وقد كانت دور العلم دائما هي مراكز الإشعاع الحضارية لكل الأمم، لذا كانت ولا تزال محل الإجلال والإكبار بين الشعوب وقادتها. وقد أصبحت الجامعات في العصور الحديثة هي «الحواضن» لكل العقول النيرة، والمتطلعة إلى العلم والرقي، وهي الحواضن التي «تفرخ» لكل المجتمعات المعاصرة، ليس العقول المستنيرة وحدها، بل وأصبحت هي «المطبخ» الذي تعد فيه إستراتيجيات الدول، والتي تصنع الخطط والبرامج العلمية لتحقيق أهداف وطموحات الدول والمجتمعات. وفي الدول، المتقدمة التي استطاعت أن تفرض سيطرتها على العالم، تعتبر الجامعات ومراكز الأبحاث هي القوة الأولى، في مكامن قوتها، لأنها هي التي تعد الخطط والبرامج، بل وهي التي تضع أمام السلطة السياسية المنفذة كافة الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأمام رجل الدولة وأجهزته لاتخاذ القرار السليم المدروس. لذا كان لا بد من أن تخضع الجامعة «لنظامها» الداخلي، وأن تكون نموذجا مثاليا لكل المؤسسات الأخرى في كل مجتمع ودولة إلتزاما صارما بالأسس والأطر والتقاليد والأعراف الجامعية العتيدة. والواقع أن الجامعة كمؤسسة تعليمية، أو كأعلى مراحل التعليم المؤسسي، استطاعت وخلال تاريخها الطويل، أن ترسي لها أسسا ونظما وأعرافا وتقاليد موحدة في كل العالم. حتى صارت وفي كل المجتمعات هي الكيان المؤسسي الوحيد الذي لا يعتمد معياراً غير الكفاءة: سواء في القبول، أو التنقل والتدرج بين المراحل، أو التدرج في سلكها الوظيفي الأكاديمي، وفي عملية الإحلال والإبدال. وتكاد تكون هي المؤسسة الوحيدة التي تتفوق حتى على المؤسسة العسكرية التي عرفت بصرامة قوانينها وتقاليدها في تطبيقها لمبدأ المعيارية الذي يقوم على الكفاءة. لأن المؤسسة العسكرية تحكمها معيارية الأقدمية، وربما تتدخل اعتبارات سياسية أو غير سياسية، في عمليات الإحلال والإبدال والتدرج داخلها. إلا أن طبيعة الجامعة وطبيعة وظيفتها في المجمع تفرض عليها هذه الصرامة في الالتزام بالأسس والمعاير والتقاليد والأعراف الضابطة لحركتها الداخلية، بحكم أنها دار علم، والعلم لا يعترف بغير التحصيل والكفاءة العلمية. www.binsabaan.com