بعيون يملؤها الأمل، وصبر لا تنقطع حباله، تنطلق بعض النسوة المكافحات.. منهن متزوجات وأرامل ومطلقات، إلى الأسواق الشعبية لتعويض النفقة ومواجهة متطلبات الحياة بممارسة بيع سلع بسيطة في «بسطات" متواضعة على الأرصفة وبلا غطاء يحميهن من برد الشتاء القارص أو شمس الظهيرة الحارقة ولسان حالهن يقول «يهون العذاب في سبيل العيش الكريم». بيع العطور وتتخذ أم خالد (65 عاما) من رصيف أحد الأسواق الشعبية في جدة، مكانا ل «بسطتها» المتواضعة، بعد أن امتهنت بيع العطورات الشعبية والبخور المطحون والفساتين النسائية البسيطة. وذكرت ل «عكاظ» أم خالد، أنها تعمل في هذه البسطة منذ ستة أعوام، حيث يبدأ عملها بعد صلاة العصر مباشرة ويستمر حتى العاشرة مساء. وأضافت: «أحيانا أضطر للعمل في الفترة الصباحية لحاجتي للمادة، ودخلي اليومي في الغالب وفي أفضل الأحوال يتراوح ما بين 150 إلى 200 ريال، وبالرغم من ذلك لا يكفي مصروفي خاصة أنني أسدد ديون المنزل الشعبي المتهالك الذي أسكنه» . وزادت: «استأجرت الموقع من أحد المقاولين مقابل 300 ريال شهريا، والآن استلم الموقع مقاول آخر ويحاول رفع قيمة الأجرة بالرغم من مداخيلنا المتواضعة. وفي مكان غير بعيد، تروي أم سعد (27 عاما) حكايتها مع تقلبات الزمن، وتقول : «أبيع الحناء بأنواعه المختلفة منذ سبع سنوات، وأعيل ثلاثة أبناء أصغرهم ذو الثلاث سنوات الذي يرافقني صباح كل يوم إلى هذا السوق لعدم وجود من يرعاه. وأضافت : إن «المنزل الذي يأوينا 15 فردا من بينهم أسرة زوجي ووالدته وأبنائي، وزوجي يتحمل ديونا كبيرة لذلك قررت مساعدته ولو بجزء يسير من المصروف من خلال بيعي للحناء في هذا السوق». وتابعت أم سعد : «حاولت التقدم إلى الضمان الاجتماعي ولم يقبل طلبي، فاضطررت إلى اللجوء للاقتراض وفتحت هذه «البسطة الصغيرة» .. وقالت: «آمل تخصيص معارض مجهزة ومكيفة للنساء، وتؤجر بأسعار رمزية مراعاة لظروفهن». وبينت رجاء عبد الله التي تبيع مستلزمات الحجاب الإسلامي، أن العمل في مثل هذه الأماكن وأمام مختلف الشرائح لا يخلو من حدوث أمور خارجة عن الأدب والذوق أحيانا، وتضيف: «أحضر إلى السوق بشكل يومي حتى في أيام الإجازات لأن الدخل لا يكفي لتأمين متطلبات أسرتي المكونة من سبعة أفراد، وأعيش حاليا مع ابني بعد أن فقدت زوجي قبل سنوات». وذكرت رجاء، بأنها بحثت ولكن دون جدوى عن مصدر دخل من خلال التواصل مع الجمعيات الخيرية أو الحصول على الوظيفة التي تحفظ ماء الوجه على حد قولها، خاصة أنها تجيد الحياكة والتطريز وتحصيلها العلمي لا يتجاوز المرحلة الابتدائية، وقالت: إن أكبر الصعوبات التي تواجهها أثناء البيع هو غرق بضاعتها عند هطول الأمطار وهو ما يكبدها خسائر بالغة». من جهتها، لا تفضل الحاجة فوزية، وهي امرأة في بداية عقدها السادس تخصيص معارض نسائية مجهزة خوفا من الاحتكار، وقالت: «هناك من النساء من تمتلك رأس المال الكبير الذي تستطيع من خلاله تأمين السلع بكميات كبيرة وبالتالي احتكار السوق». وزادت: «وضعنا الحالي في (البسطات) أفضل بالنسبة لنا خاصة أن ذلك يوفر لنا قدرا من المال يعيننا على توفير الحياة الكريمة على الأقل».. وختمت الحاجة فوزية بالقول: «أديت مناسك الحج والعمرة من دخلي اليسير، وسددت بعضا من ديوني، فيما تكفل أحد المحسنين بإجار غرفتين لي ولابني المريض في سطوح إحدى العمارات، في حين تقدم بعض الجمعيات ما نحتاجه من متطلبات». وضعية آمنة إلى ذلك، قالت الناشطة الاجتماعية في قضايا المرأة فاطمة قاروب، بأنه من الضروري أن يكون هناك تنسيق بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والغرفة التجارية لبحث مشكلة هؤلاء النسوة واستخراج تصاريح نظامية لهن لممارسة البيع من خلال معارض أو «أكشاك» ليتمتعن بوضعية آمنة وحماية من أشعة الشمس أو الأمطار، وتضيف: «يجب أن تتوفر ضوابط في عملية البيع وحماية لحقوق النساء البائعات ومنتجاتهن حتى لا تتعرض بعضهن للتحرش أو المضايقات أو سرقة بضائعها».