عام 1387ه عين الملك فهد بن عبدالعزيز (الأمير آنذاك) نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ليكون بذلك أول من تقلد هذا المنصب في هذه الدولة السعودية المباركة. وفي يوم الجمعة 20/3/1434ه أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمراً ملكياً بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز المستشار والمبعوث الشخصي لخادم الحرمين الشريفين نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ليكون سموه خامس نائبٍ ثانٍ في هذا العهد السعودي. والحديث هنا ذو شقين، حديث عن المنصب وحديث عن الشخصية المختارة لهذا المنصب. منصب النائب الثاني منصب غير ملزم للملك أن يعين عليه أحداً، بخلاف منصب ولي العهد، ولهذا يفترق المنصبان في أن منصب ولي العهد لابد فيه من بيعة من الشعب كما رأيناه مؤخراً عند اختيار القامة الشامخة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد. أما منصب النائب الثاني فهو قرار أشبه بالقرار الإداري الملكي البحت، إلا أنه قرار تظهر فيه بجلاء شخصية الملك وتوجهه، وقد عرف عن الملك عبدالله تقديمه للمصلحة العامة للأمة في اختياراته وتعييناته، وهذا واحد من تلكم القرارات والأوامر ذات الشأن الجلل. ((عرفاً)) لا ((لزاماً)) منصب النائب الثاني يوطئ لولاية العهد، فالذين تولوا هذا المنصب من قبل أضحوا بعد حين ((أولياء للعهد)) ، وهم الملوك والأمراء (فهد، عبدالله، سلطان، نايف). يخول هذا المنصب لمتقلده أن يرأس جلسات مجلس الوزراء إذا تعذر حضور الملك أو نائبه الأول لجلسة المجلس، وهو بهذا يمنح متقلده صلاحية واسعة في اتخاذ العديد من القرارات، إذ أن مجلس الوزراء معني عادة بالقرارات التي تنظم علاقة الوزارة بالمواطنين مع غير ذلك من الشئون الخارجية والداخلية. أما عن شخصية الأمير مقرن، فالأمير مقرن بن عبدالعزيز أصغر أبناء الملك المؤسس الأحياء سناً، وهو بهذا معدود من الجيل الأول، وهذا المنصب لم يعط بعد لأحد من أبناء الجيل الثاني ((وفي كلٍ خير)). يجمع الأمير مقرن في شخصيته بين جوانب الرؤية العسكرية والرؤية المدنية، وهاتان قلما تجتمعان في رجل، ولا نقصد بالرؤية العسكرية أنه تولى فقط منصباً له علاقة بالجيش، بل إنه مارس العسكرية دراسة وعملا من خلال دورات متعددة شرقاً وغرباً، وما حط رحاله مدنياً في عروس الشمال إلا وهو قد تفرغ لتوه من منصبه كرئيس لقسم الخطط والعمليات في القوات الجوية الملكية السعودية، نهض بحائل وأحب أهلها وأنسوه بكرمهم عناء العمل العسكري، ثم صدر الأمر الملكي بتعيينه أميراً لمنطقة المدينةالمنورة، وكأن الله يريد به أن يجمع إلى ما آتاه من خصال الازدياد من الارتواء الإيماني بأن يكون أميراً على بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى فيها خمس سنوات ذاع فيها تواضعه وأدبه الجم وشاع بين القريب والبعيد، وكان حريصاً حرصاً تاماً على خدمة الناس، فنظم السير في طريق (المدينة – ينبع) القديم، وسعى سعياً حثيثاً في إنشاء طريق سير حديث فكان له ما أراد. ومازال الناس يدعون له كلما سلكوا ذلكم الطريق، وحرصت على ذكر هذا المثال لبيان أن الناس لا تعنيهم شهادات المسئول ولا ما ناله من أوسمة وتكريم، بل تعنيهم ماذا قدّم لهم وما الذي يحمله من همّ نحوهم. وما كتبت هذا المقال لأحدث الناس عن مقرن بن عبدالعزيز، فسموه علمٌ له في خدمة وطنه أربعون عاماً، لكن دونت هذا مهنئاً سموه الكريم بالثقة الغالية والأمر كما قال سموه الكريم ((ثقة خادم الحرمين الشريفين مهمة جسيمة)) لكن الناس ومن حقهم يأملون في قرب سموه الكريم من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده حفظهما الله وصلاحيته في متابعة الوزراء وفقهم الله يأمل الناس من هذا أن يكون لسموه أثر جليل في الإسراع بتفعيل الخدمات التي تسهم في تأمين حياة كريمة أفضل لهم. فالوزير مهما بلغ حرصه لا يكون نفوذه ورأيه وقراره كنفوذ ورأي وقرار أحد أبناء الملك المؤسس، فكيف إذا كان نائباً ثانياً، أي ثالث الهرم في السلطة. وتعظم مسئولية هذا الأمير الموفق بأنه مستشار خاص لخادم الحرمين الشريفين إضافة إلى كونه نائباً ثانياً. وأعظم المطالب الملحة اليوم بدل سكن لكل مواطن ذي أسرة، بوصفه مواطناً لا بوصفه موظفاً مدنياً أو عسكرياً، ولو كان ذلك البدل مرتبطا بعدد أفراد الأسرة لكان أفضل وأكمل. ومن المطالب الملحة إيجاد فرص التوظيف حكومياً وفي القطاع الخاص، وأن يحظى هذا الشأن بعناية أكبر من الدولة وفقها الله وكذلك لابد من العناية بالفكر الذي يمثل وسطية الأمة في سائر أمورها، فكما يحتاج الناس إلى أن يجدوا قوتهم، هم في حاجة إلى علماء ودعاة ومفكرين ناصحين لا يؤججون العامة ولا يثيرون الفتن، وفي الوقت نفسه يحمون الأمة من مزالق التغريب ومهالك الزندقة. ولئن أثبت ما يعرف ب ((الربيع العربي)) أن الاحتكام إلى الشارع لا يمسك ماء ولا ينبت كلأ ولا يحفظ أمناً، بل هو في غالبه سبيل للفوضى ولا يمكن أن تكون الفوضى خلاقة أبداً كما يزعم بعض دهقان السياسة. بل إن سنة الله في حوادث الدهر تظهر بجلاء أن صلاح البلاد والعباد إنما يكون بالقرارات النافذة التي تراعي مصالح الأمة حقاً، سواء في مراعاة حاجات الناس وتحقيقها، أو في اختيار الرجال الأكفاء القادرين على نفع الوطن والقيام بحقه، ونرجو الله أن يكون تعيين الأمير مقرن نائباً ثانياً واحداً من تلكم القرارات التي يجني المواطن ثمارها ويرى الناس أثرها. إن هذا الوطن غالٍ جداً، عظم بأرضه الطاهرة، ورجاله الصادقين وولاة أمره المحبين الناصحين، وعلمائه الموفقين وأهله المباركين الطيبين، وهو أمانة في أعناقنا جميعاً. نسأل الله أن يتولانا بولايته، وينعم علينا من فضله.