من عجائب العصر، كلما تقدمت وسائل الاتصال والمعرفة، تراجع التواصل وأصيبت شرايينه بالجلطات، وضعف الترابط الاجتماعي والأخلاقي، بدلا من أن تزيده وتقويه. وللأسف حال الأنانية في المجتمع، كفريق رياضي كل لاعب فيه يلعب بمفرده وليس بروح الفريق والنتيجة كثرة الأخطاء والثغرات والأهداف في مرماه. كنا نشكو من تأثير التلفزيون على ترابط الأسرة، فلم تعد تجتمع على حديث أو طعام، ولاحقا انتشرت الألعاب الإلكترونية ثم الجوال ثم الإنترنت، فضاع الترابط وضاع الوقت بلا حساب، وساد التكاسل والبلادة واللامبالاة والبلاهة في البيت والعمل، تبحث عن الأبناء فلا تجد إلا أجسادا بلا وعي؛ لا عقولا منتبهة ولا إرادة على إنجاز أي شيء، وضاعت عادات وتقاليد جميلة ومصالح مهمة وأوقات غالية. الأثرة والأنانية مرض أخلاقي خطير طال بعض الرجال فلا يرون إلا أنفسهم وما يشتهون من المسيار وغيره من مسميات الزواج التي أصبحت موضة وموديلات. واقتصاديا تفشت الأنانية في الشركات والمؤسسات ليصبح هدفها الأول والأخير (الربح ثم الربح) على حساب المسؤولية الاجتماعية، ولو حرصت تلك القطاعات على العدل الاجتماعي -ولا نقول الإيثار- لما كان في المجتمع فقيرا ولا عاطلا. إنها الأنانية التي أصبح فيها (الأخذ) أكثر من (العطاء) حتى شاع الغلاء الفاحش الذي ينهش في المستهلك كالذئاب. والأنانية خطيرة في العمل عندما لا يرى المسؤول إلا نفسه في قراراته ومصالحه، ويهمل مسؤولياته ولا يطور، والموظف الذي يؤدي عمله بأقل جهد وأقل إنجاز، وذهنه مشغول بالتهرب من العمل، والبعض يذهب بعيدا بالأنانية أو تذهب هي به إلى الدرك الأسفل بالرشاوى والاختلاس والتحايل.. والأنانية في أبشع صورها عند من تمتد أيديهم على الأراضي والأموال العامة ليفرغوها في كروشهم، بينما غيرهم لا يجدون أمتارا حتى بسعر معقول. أيها الأحبة.. انظروا حولنا اليوم حيث أحزاب وجماعات تتصارع وتتقاتل في أنانية عجيبة وخطيرة، لا يرون فيها بلادهم إلا كيكة كبيرة (تستاهل) أن تزهق من أجلها أرواح وتراق دماء العامة. إنها الأنانية البغيضة، ولو أخلصوا لدينهم ولبلادهم حقا بالإيثار والإخلاص والحكمة، لحفظوا أوطانهم وسادت المصلحة العامة. الأنانية يا سادة معول هدم ومصدر ضغائن وفوضى وسوء أخلاق وضياع للدنيا والآخرة. فهل نراجع أنفسنا ونحيي قيم الإسلام في حياتنا الخاصة والعامة. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها.