هب أن شخصا ما قد فقد نظارة القراءة في منزله، ولا يعرف مكانها بعد طول بحث. هل يمكنه أن يدخل على الإنترنت لكي يبحث عن نظارته؟ هذا هو تصور «إنترنت الأشياء». إن شبكة الإنترنت الآن يتصل بها مليارات الأجهزة الحاسوبية، سواء أكانت أجهزة حاسوبية شخصية، أو من النوع الضخم الذي يعمل في المؤسسات. إلا أن هناك أعدادا هائلة من العناصر الحاسوبية الصغيرة لا تزال غير متصلة بالإنترنت، مثل تلك التي في الكاميرات الرقمية، والمشغلات الصوتية لملفات MP3، والعناصر الإلكترونية في السيارات... وغير ذلك. ولكن مع انتشار البروتوكول الجديد للاتصال بالإنترنت IPv6، والذي يتيح للأجهزة الحاسوبية تريليونات من عناوين الاتصال بالإنترنت، فإن هذه الأشياء ستنضم إلى شبكة الإنترنت، بحيث تشكل ما يسمى ب «إنترنت الأشياء»، وهي التي تضم أعدادا ضخمة من الميكروبروسيسورز، أو الأشياء المحوسبة بعد اتصالها بالإنترنت. بل إننا يمكن أن نضفي ذكاء إلى كل الأشياء العادية التي نتداولها في حياتنا؛ مثل الحذاء والدراجة والنظارة... إلخ، بحيث يمكنها الالتحاق بعالم الأذكياء على الإنترنت، وذلك بتزويدها بوسيمات tags تستخدم لتخزين البيانات مثل البار كود المعروف في المحلات التجارية وهي على شكل رقاقات معدنية يتم لصقها على الشيء المراد ضمه إلى «إنترنت الأشياء». وتعتمد تلك الوسيمات على تقنية التعرف باستخدام البث اللاسلكي RFID؛ ولذا فإنها تحتوي على هوائي للبث. وحينئذ سيحمل كل منا صندوقا صغيرا في حجم بطاقة الائتمان يقوم بإرسال إشارات لقراءة المعلومات المخزنة على هذه الوسيمات، أو بالاستماع إلى العناصر الحاسوبية التي في الأجهزة، أو إلى أجهزة الاستشعار المركبة على الأشياء والتي تقيس درجة الحرارة، والحركة، والرطوبة... وغير ذلك، ثم يقوم بإرسال كل ذلك إلى الإنترنت، فيتشكل من ذلك شبكة للجمادات الذكية تسمى «إنترنت الأشياء»، حيث تستطيع ملايين الأشياء أن تتحدث عن نفسها، وحيث يمكن حينئذ دمج بياناتها وتصرفاتها، بحيث يصبح لدينا معلومات لم نكن لنحلم بها. وستكون الطفرة الحقيقية حينما يتم الربط الشبكي بين تلك الأشياء وبين ملايين الأشخاص والخدمات من خلال الإنترنت. وفي هذا المشهد الرقمي المتطور، فإننا سنرى كل أنواع الخدمات التي تربط بين أنماط الحياة، والحالة الصحية، والأعمال اليومية، والتنقلات... وغير ذلك. فهي تجعل المستخدمين على اتصال دائم بالأشياء التي تملأ حياتهم، وتعطيهم القدرة على تبادل المعلومات حول ما يفعلونه بتلك الأشياء، وعلى الوصول إلى مزيد من المعلومات عن المنتجات التي تم شراؤها، وعلى الاستفادة بخدمات إضافية. كما تفتح آفاقا اجتماعية، فهي تسمح لراكبي الدراجات بالتواصل مع غيرهم من راكبي الدراجات على نفس الطريق، أو للأشخاص بتحميل وتبادل الملفات الصوتية، ويمكن للمرء أن يتلقى من خلالها رسالة عن توقف المغسلة، أو سقوط شيء في الغرفة الخلفية أو غير ذلك مما يحدث في منزله. وستكمن القدرة المتحكمة في تلك الشبكة العنكبوتية المذهلة في اللامركزية، فهي تمثل شبكة للذكاء الجمعي الذي ينتج عن ملايين العناصر الحاسوبية والوسيمات الذكية الملتصقة بالأشياء، والتي تكون في مجموعها خلال الشبكة التي تجمعها قدرات ضخمة. والآن مع هذا النموذج الجديد للا مركزية من خلال «إنترنت الأشياء»، حيث يمكن لأي شيء أن يخاطب أي شيء آخر، هل سننقلب حينئذ إلى عالم المدينة الفاضلة أم إلى عالم الواقع المرير؟ إن هذا العالم الجديد من الكائنات الذكية سيتطلب تطويرا لما بين أيدينا الآن من المعايير والتكنولوجيا التي تدعم الاتصالات عبر الإنترنت، بما يصاحب ذلك من معلومات جديدة، ومن اعتبارات جديدة للخصوصية والسرية. وستفتح «إنترنت الأشياء» الباب أمام أعمال وصناعات جديدة ليست موجودة في الوقت الراهن. فمن سيتحكم في صناعة الأشياء حينئذ؟، ومن سيمنع الهاكرز من إطفاء الأنوار في ملايين المنازل؟، وأين سنقوم بتخزين هذا الفيضان الهائل من المعلومات الذي سيصاحب «إنترنت الأشياء»؟ وكيف سنقوم باستخدام تلك المعلومات؟ وسنكون في حاجة إلى الإجابة عن أسئلة أخلاقية أخرى بالإضافة إلى الأسئلة التقنية السالف ذكرها. فهل ستصبح حياتنا أفضل بعد أن تقوم «إنترنت الأشياء»بإطلاعنا بصورة غير مسبوقة على ما يدور في الأعماق الداخلية للأعمال؟ وهل ستقوم بتجريف القدر الباقي من الخصوصية الإنسانية من خلال التقارير التي سيمكن تقديمها للآخرين عن كل ما نفعله ؟ إن الولوج إلى عصر «إنترنت الأشياء»سيحتاج نهجا أكثر شمولية من مجرد الاعتماد على معطيات تكنولوجيا المعلومات. إن الزخم المصاحب ل «إنترنت الأشياء» يتصاعد الآن، وقد غيرت الإنترنت حياتنا بصورة كاملة، وستتغير حياتنا مرة ثانية من خلال «إنترنت الأشياء». (*) أستاذ المعلومات جامعة الملك سعود، عضو مجلس الشورى