«الجوع كافر» عبارة لا يدرك معناها سوى أولئك الذين قاسوا أعراضه ومروا بتجربة الحرمان، من نشأت بينهم وبين لقمة العيش قصص توارثها الرواة وتناقلتها الأجيال، «الجوع كافر» وصف دقيق لم يأت من عبث بل من واقع مرير خلص إلى هذا الوصف. إنه وبالعودة إلى قصص ما قبل الطفرة والبترول فقد كانت المجتمعات تعج بالقصص التي تتحدث عن الجوع وكيف أصبح كافراً في صفته التي يقترفها بحق بني البشر، فالمضطرون إلى الطعام لسد رمقهم في حالة انعدامه يواجهون خطورة الموت وعندها تباح لهم كل الاعذار فالذي يخاف التلف على روحه يتناول كل ما يبقيها حية، لهذا يبيح لنفسه اكل الميتة والسرقة والنهب، و يذكر أحد المشايخ أن الجائع المضطر إذا لم يجد إلا نفسه جاز له أن يقطع بعضاً من اعضائه غير الرئيسية التي لا يؤدي قطعها إلى هلاكه ويأكل. ولأن الجوع على حد الوصف كافر استطلعت «عكاظ» آراء مختلفة مزجت بقصص وقعت في أزمنة سابقة كيف لا وقد كان سببا في خروج العظماء فقد أخرج نبيا وصديقا، وشهيدا، إذ أنه أخرج سيد الأمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق وعمر رضي الله عنهم في الليل، فذات ليل التقى نبي الله، الصحابيين وسألهما ماذا أخرجكما ؟ فقالا: الجوع يا رسول الله! قال: وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما. ويذكر إبراهيم بن أحمد (67) عاما أن أبناء الجيل الحالي لا يعرفون معنى الجوع ووصفه بالكافر، فمعطيات الحياة تغيرت وأصبح رغد العيش سمة الحياة الراهنة. ويسترجع بن أحمد الذكريات مع الجوع قائلا «مرت على الناس سنين عجاف جعلتهم يطلقون على الحاجة للأكل وصف (الجوع كافر) فقد كانت الناس لا تعرف طعم اللحم إلا في عيد الأضحى وكان أغنى السكان يذبح خروفا واحدا يتقاسمه أبناء القرية الواحدة». ويضيف «أذكر أن الناس كانت تذبح بهيمة الأنعام إذا أوشكت على الهلاك نتيجة كبر سن أو مرض ويتم توزيعها على أبناء القرية الواحدة غير مكترثين بحالتها الصحية فشعور الجوع يجعلهم يتناسون أي ضرر قد ينتج». ويستذكر العم إبراهيم «كان الناس يشمون رائحة الشاي والسمن والخبز الذي يعد في أول القرية وهم في آخرها من فرط الجوع الذي كان يعيشه الناس ولم تكن ربة البيت تعد الطعام ما يشتهيه آل بيتها بل إن الجود من الموجود، كذلك لا يرمى شيء مما يزيد بل يخزن ليوم آخر أو وجبة مقبلة». ومن القصص يذكر ابن أحمد «أثناء موسم الجراد كان الناس يحمون المحاصيل الزراعية ويصيدون الجراد ويخزنونه لأجل أكله، كذلك كان الناس لا يفرقون بين سمين الأنعام وسقيمها بل كانوا يستفيدون منها بذبحها وتوزيع لحمها ولا شيء يرمى منها». أما في الزمن الراهن وبحسب من استطلعت عكاظ آراءهم فإن العبارة لا تعدو كونها كلمات توارثها الجيل الحالي ممن سبقوه دون صلة بالمضمون، واصفين الزمن بالمتغير وأنها عبارة ذكرت ذات زمن طابق فيه الحال الواقع. يشير عبدالله فيصل إلى أن الناس كانت تصف الجوع بالكافر حيث أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) استعاذ منه وكانت الناس ترتكب المحظورات لأجل سد رمقهم، مضيفا «يرددها الناس اليوم فقط للتعبير عن شدة الجوع بينما كانت في زمن الأجداد وصفا لحالة الجوع الشديد التي كانوا يصلون إليها». ونوه فيصل إلى أن الجوع في كثير من الأحيان يفقد الإنسان صوابه حيث يتعالى صراخ الطفل الصغير ويبكي بحرقة حتى يبلغ قنينة الحليب التي بح حلقه من أجلها فيما نجد طوابير البشر في المطاعم مد البصر لأجل الحصول على وجبة، مضيفا «عندما يستيقظ الإنسان من نومه فأول ما يسأل عنه الأكل، وفي الوقت الذي يعود فيه من عمله – وقت الغداء – فإن أول ما يطمئن عليه جاهزية الوجبة وفي حال لم تكن جاهزة فإنه يوم سوداوي على ربة المنزل بل إن الشرر يتطاير من الأعين وتخرج ألفاظ في كثير من الأحيان غير لائقة مصحوبة بالسب واللعان لعدم جاهزية الأكل وكل ذلك دوافعه الجوع». وتساءل الاستشاري الأسري عبدالعزيز الحسن عن سر ارتباط الجوع بحالة الغضب فالكثيرون ينتابهم شعور الغضب حين الجوع وآخرون يجبرهم الموجود على الابتكار، ويستعيد شيئا من الذكريات قائلا «تعينت في بداية حياتي الوظيفية في منطقة نائية لا تتوفير فيها مطاعم على مدار الساعة فكنت خلال تلك الفترة أجمع كل المعلبات والأغذية الخفيفة المتوفرة لأجل أن أصنع وجبة أسد بها صراخ معدتي». وزاد «في كثير من الدول التي تعاني المجاعة تنطبق صفة الجوع كافر والذي يؤدي إلى الوفاة أو المخاطرة لأجل الحصول على الغذاء، وسبق أن شاهدت فيلما وثائقيا لمجموعة من الأفارقة تأخذ قطع اللحم من بين قطيع الأسود». وخلص إلى القول «يقف الجوع وراء الكثير من المشكلات الأسرية التي ربما تصل إلى الطلاق في كثير من الأحيان بسبب تأخر الزوجة في إعداد وجبة معينة أو يدفع بالجائع للتصرف لا إراديا بشكل غير مألوف وعليه وصف الجوع بالكافر واستعاذ منه سيدنا محمد لذا يتوجب على الجميع أن يفصلوا بين تصرف العقل واحساس البطن.