تزداد قيمة تكنولوجيا المعلومات عاما بعد عام، وتطرح نظما وحلولا ذات تقنيات أحدث وبسعر أقل. فهل يمكننا القول إن التقنيات الأحدث والأرخص هي الأفضل؟ حسب دراسة مسحية أجريت في سبتمبر 2012 على أنظمة التشغيل على الحواسيب الشخصية، فإن حصة السوق ل وندوز 7 تبلغ حوالي 42.5 %، وويندوز إكس بي 42.5 %، وويندوز فيستا 6.5 %، وماك 7.5 %، ولينوكس 1%. فلماذا يبلغ عدد مستخدمي الإصدارات القديمة من ويندوز هذه النسبة الضخمة؟ هل هو بسبب سعر الترقية إلى الإصدارات الأحدث؟ يرى الخبراء أن الافتقار إلى التحول السلس من ويندوز إكس بي إلى الإصدارات الأحدث هو أحد أسباب التمسك به، وخصوصا في الشركات التي تضم العديد من الموارد التي يعتمد بعضها على بعض: بيانات، وخوادم ، ومجموعات المستخدمين، وتطبيقات، وبرمجيات، ما يجعل الانتقال إلى الإصدار الأحدث مهمة يكتنفها العديد من المصاعب. وخصوصا أنه ما أن تنتهي إجراءات الترقية إلا ويظهر إصدار جديد يحتاج إلى ترقية أخرى، وفي هذه الحالة، فإن الحل الأرخص الذي يقوم على عدم الترقية يكون كذلك هو الحل الأفضل الذي يحافظ على بيئة العمل في المؤسسة. وعلى العكس من ذلك، فإنه في الدراسة المسحية السالف ذكرها لا يحظى لينوكس إلا بنسبة تبلغ حوالي 1 % رغم أنه هو الحل الأرخص. في مرحلة ما كان للينوكس جاذبية كبيرة عند المحترفين في تقنية المعلومات؛ نظرا لأنه نظام تشغيل قوي ومستقر وسلس الاستخدام، فضلا عن أنه ذو تكلفة قليلة أو لا يكلف شيئا على الإطلاق. فلماذا لا تبلغ حصته في السوق إلا هذه النسبة الهزيلة؟ السبب الراجح لذلك هو أن مستخدمي الحواسيب الشخصية لم تصلهم المعلومات الكاملة عن لينوكس أو وصلتهم بطريقة تنفرهم منه، وهم ليسوا على استعداد لبذل وقت كافٍ لتعلم نظام تشغيل جديد مثل لينوكس الذي يختلف في كثير من الأمور عن ويندوز، ولا يتفق معه إلا في قليل من المهام الأساسية. كما أن تنصيبه على الأجهزة الحاسوبية ليس في سهولة ويندوز، وقد يحتاج إلى بعض الدعم الفني نتيجة عدم التوافق بين الحاسوب ونظام التشغيل لاختلاف الجهات المنتجة. وقد يحتاج المرء إلى زيارة العديد من حلقات النقاش عن لينوكس ليفهم أسباب ما يتعرض له من مشكلات عند التنصيب، ثم قد يفشل بعد كل ذلك. في حين أنه من أفضل عناصر القوة في نظم ويندوز هو التوافق بينها وبين شركة إنتل المنتجة للبروسيسور، وفي نظام تشغيل ماك، أن شركة آبل المنتجة له هي نفسها التي تنتج الحاسوب، بحيث أن كل منهما يتوافق مع الآخر بصورة كاملة، فلا يحتاج المستخدم إلا إلى دعم بسيط، وقد لا يحتاجه في أغلب الأحوال. لذا فإن كثيرا من المستخدمين يفضلون ويندوز رغم أن أسعارها أصبحت تنافس أسعار عتاد الحاسوب. وبسبب الضجة التي صاحبت مفهوم الحوسبة السحابية، والتي تروج لأنها تجعل كل الخدمات البرمجية متاحة للجميع وبسعر أقل، فإننا نجد في أوساط الشركات الصغيرة التي يبلغ عدد موظفيها أقل من 100 موظف أسئلة كثيرة تتردد مثل: لماذا لا نستخدم محرر مستندات google بدلا من Microsoft Office ، ولماذا نقوم بشراء أجهزة لاب توب ذات الأسعار العالية، في الوقت الذي يمكننا شراء أجهزة حاسوبية Thin computers بأسعار تقل كثيرا، ولماذا نشتري نظاما مكلفا للهواتف بينما يمكننا استخدام نظام Skype المجاني... وهكذا. ودور المختصين في إدارات تقنية المعلومات يكون حينئذ شديد الحساسية، فهم يجب عليهم أن يدعموا توجه الشركة باستخدام التقنيات الجديدة ذات التكلفة المنخفضة ويتحملوا عبء تنفيذ هذا التوجه، وحينئذ يقع عليه اللوم عند وجود نقص في المواصفات أو قصور في التشغيل. ولو رفضوا هذا التوجه فإنه يقع عليهم عبء طرح حلول بديلة ذات تكلفة أعلى، ثم إيضاح أهميتها وما تتيحه من مواصفات مبهرة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا تتيحها الحلول الأرخص. لذا فإننا سنجد دائما أن الحاسوب بسعر 9000 ريال هو الأفضل من لابتوب بسعر 3000 ريال وذلك لبعض الشركات ، وأن Skype لا يصلح بديلا عن نظام متكامل للاتصالات التليفونية في العديد من المؤسسات، وأن نظام بريد جوجل لا يمكن مقارنته ب Microsoft Exchange إلا في بعض الوظائف الأساسية. وبصفة عامة، فإن ما تطرحه تقنية المعلومات من تحسينات على منتجاتها كل عام يجعلها ذات قيمة أفضل من سابقتها، وربما أرخص، إلا أن هذا لا يعني أن ننساق دائما وراء القول بأن الأرخص هو الأفضل، ولكن فلنجعل لكل حادث حديثا. (*) أستاذ المعلومات جامعة الملك سعود، عضو مجلس الشورى