المماحكة والتجاذب الحاد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على مدى الشهور الماضية، حول سبل تفادي أزمة «الهاوية المالية»، كانت بدوافع ومصالح سياسية واجتماعية في المقام الأول، حيث ينافح الحزب الجمهوري بضراوة عن مصالح الأثرياء والشركات الكبرى، في حين يعبر الحزب الديمقراطي إلى حد ما عن مصالح الطبقة المتوسطة الآخذة بالتقلص والتدهور، وفي حين حمل أوباما الجمهوريين المسؤولية عن المأزق، قائلا إن «شغلهم الشاغل» هو حماية التسهيلات الضريبية الممنوحة للأغنياء حتى لا يضطروا (الأغنياء) إلى دفع ضرائب أعلى من الضرائب الحالية. وفي المقابل، رد رئيس مجلس النواب الأمريكي (جمهوري) جون باينر على هذه الاتهامات بالقول إن «الأمريكيين انتخبوا الرئيس ليقود لا ليتهم». وقد جاء اتفاق اللحظة الأخيرة بين الإدارة الأمريكية التي يقودها الديمقراطيون والجمهوريين ليمنع أو يؤجل ما بات يعرف «الهاوية المالية» أو «المنحدر المالي» التي كانت تهدد إعادة الاقتصاد الأمريكي إلى الركود مجددا. حيث وافق مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بعد مرور ساعتين على انتهاء المهلة النهائية، على اتفاق أتاح تجنيب الولاياتالمتحدة الهاوية المالية، ويعني ذلك إرجاء رفع معظم الضرائب وتخفيض النفقات (الاجتماعية) في الميزانية الفيدرالية، والتي كان من المقرر أن تبدأ مع بداية السنة الجديدة. ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصدر في البيت الأبيض قوله إن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور هاري ريد والسيناتور نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية في مجلس النواب وقعا الاتفاق. كما صادق مجلس النواب الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي على مشروع القانون الذي يزيد الضرائب على الأغنياء ويرجئ خفض النفقات بموافقة 257 مقابل 167 صوتا. وقال أوباما، الذي قطع إجازته بمناسبة الكريسماس التي كان يقضيها في هاواي، إن إقرار مشروع القانون جاء للوفاء بأحد تعهدات حملته الانتخابية. وتابع «سأوقع على مشروع القانون لزيادة الضرائب على الأغنياء الذين يمثلون 2 % فقط من الأمريكيين، بينما يجنب متوسطي الدخل هذه الزيادة». وبموجب الاتفاق سيتم فرض معدلات ضرائب غير مرتفعة بالنسبة إلى معظم دافعي الضرائب الأمريكيين، على أن ترفع الضرائب بالنسبة إلى أصحاب الدخول التي تفوق 400 ألف دولار. وسرى مشروع القانون اعتبارا من منتصف ليل الاثنين مع انتهاء العمل بخفض الضرائب الذي استفاد منه بالدرجة الأولى الأثرياء، والذي طبق منذ عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش. وقد ساهم الاتفاق الأخير في إنعاش أسواق المال والأسهم والسندات الأمريكية والعالمية بعد سلسلة من التراجعات التي شهدتها في ضوء عدم التوصل إلى اتفاق يجنب أكبر اقتصاد عالمي تبعات «الانحدار المالي»، والذي يتمثل في التأثيرات الاقتصادية التي يمكن أن ينتج عنها زيادة الضرائب ونهاية التخفيضات الضريبية وتقليص الإنفاق الحكومي من أجل خفض الدين العام الأمريكي، والذي قارب 16 تريليون دولار أمريكي، وهو يفوق مجمل الدخل القومي الأمريكي. وبموجب هذا الاتفاق، فإن العجز في الميزانية الفيدرالية من المقرر أن يقلص إلى النصف في 2013. من الواضح بأن الحلول الجزئية والمبتسرة بهدف تجنيب الاقتصاد الأمريكي (على غرار الاقتصاد الأوربي والياباني) مزيدا من التدهور، أو مواجهة الأزمات الدورية المتتالية على مدى العقود الماضية، نذكر منها أزمة فقاعة «الدوت كوم» وأزمة الرهن العقاري، والأزمة المالية، وأزمة المديونية، وآخرها أزمة «المنحدر المالي»، هي حلول مؤقتة، تلامس بشكل ثانوي أعراض وتجليات الأزمة الاقتصادية وليس جوهرها، والتي تتمثل في كونها أزمة بنيوية عميقة مرتبطة بتفجر تناقضات أسلوب الإنتاج الرأسمالي، حيث التناقض الرئيس فيه، ما بين الطابع الاجتماعي للعمل والإنتاج، والشكل الخاص للتملك، كما هي أزمة فائض إنتاج في السلع والرأسمال والنقود، وبكلمة أنها أزمة هيكلية وممتدة مستعصية على الحل، كونها تشمل البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هذه الأزمة البنيوية هي التي أنتجت الحروب الإمبريالية، حيث كلفت الحرب على أفغانستان والعراق قرابة 3 تريليونات دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، وهي تعادل 20 % من مجمل الدين العام الأمريكي، إنها أزمة تكرس وتعمق الفوارق ما بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وفي داخل كل دولة، حيث الانقسامات الطبقية والاجتماعية المخيفة ما بين حفنة من الناس، والأغلبية الساحقة من البشر، أو بين 2% و98% من السكان الأمريكيين وفقا لتعبير أوباما، وقد جاء في دراسة جديدة كتبها جيمس هنري، وهو خبير اقتصادي كبير في شركة «ماكينزي» للاستشارات، وقد كلفته بالدراسة «شبكة عدالة الضرائب». إن هناك ما لا يقل عن 21 تريليون دولار حتى نهاية عام 2010، مما تمتلكه صفوة من فائقي الغنى في العالم موجودة في حسابات آمنة من الضرائب. ويعادل هذا المبلغ حجم اقتصادي الولاياتالمتحدةالأمريكية واليابان مجتمعين. وقال هنري إن مبلغ ال21 تريليونا هو رقم يحوطه التحفظ، إذ قد يصل المبلغ الحقيقي إلى 32 تريليون دولار. يحدث ذلك، في حين يعاني أكثر من مليار إنسان من الجوع، كما يعيش أكثر من ملياري من البشر تحت خط الفقر، كما يحرم مئات الملايين من العمل، ويفتقر قسم كبير من سكان العالم للسكن والعلاج والتعليم والمياه النظيفة. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة