كثر اللغط في الآونة الأخيرة حول قيام الساعة وتحديد وقوعها باليوم والليلة وهذا مسخ من القول ظاهره السقط والبطلان، يثيره ضعاف النفوس والعقيدة بين فترة وأخرى يثيرون به بلابل البسطاء من الناس الغافلين عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن. فإن هذا القول في تعارض واضح وجلي بحشد من الآيات التي تنص بدلالات قطعية على خصوصية هذا الوقوع بعلم الغيب الذي هو من خصوصيات الألوهية، كما قال تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) وقال تعالى: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله). بل إن القول بتحديد قيام الساعة باليوم والليلة ونحو ذلك هو من أبواب الجدل والمماراة، كما ذكره الألوسي في المعاني 4/52 وقد قال سبحانه وتعالى في حق هؤلاء (إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال مبين). ولقد ورد العديد من الآيات في قرب قيام الساعة أو وقوع دلائلها وعلاماتها كما قال تعالى: (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا..) وقوله تعالى: (وما يدريك لعل الساعة قريب) وقوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر). وفي وقوع دلائلها وعلاماتها قوله تعالى: (فهل ينظرون إلى الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها..). وقال عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل كما رواه مسلم (59): (أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان..). ومن دلائلها أيضا قوله تعالى: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس). ومع ذلك فإن وقت وقوعها لا يزال مبهما وغير معروف ولا حتى بالتقريب فإن في قوله تعالى: (وما يدريك لعل الساعة قريب) لا يشتمل النص على ما هو المراد بالقرب، هل هو ألف سنة أو ألفين أو عشرة آلاف، من وقت نزول هذا القول في القرآن، وهل هذا القرب بحساب البشر أم بحساب الله سبحانه وتعالى؟. وقد قال سبحانه وتعالى: (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون). فلو أمهل الله سبحانه وتعالى عباده بعد ختام الرسالات برسوله محمد عليه الصلاة والسلام مائة يوم، فإن هذا بحساب رب العالمين يساوي مائة ألف عام. وإن كان هذا القرب بحساب البشر فليس هناك ثمة معيار فإن الفترة ما بين نزول آدم عليه السلام وبعثة نبي الله نوح عليه السلام نحو سبعة آلاف عام وبين نوح عليه السلام وإبراهيم نحو ستة آلاف عام وبين إبراهيم عليه السلام وموسى نحو أربعة آلاف عام وبين موسى وعيسى عليهما السلام نحو ثلاثة آلاف عام، وبين عيسى عليه السلام ومحمد عليه الصلاة والسلام نحو 600 عام. فليس ثمة معيار ولا علاقة بين أحداث الأمم وقيام الساعة. أضف إلى ذلك أن هناك أمما من البشر كانت تعيش على وجه الأرض قبل نزول آدم عليه السلام، كما قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وكان هذا قبل خلق آدم وقبل نزوله إلى الأرض. وهذه الأمم تدخل في حساب الآخرة وقيام الساعة أن أرسل الله إليهم الرسل كما قال تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وما ذكر في القرآن أو السنة من علامات وقوع الساعة إنما هي نصوص لا تفيد القطع واليقين ولا يعلم ما المراد بها ففي قوله تعالى: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) فيها معاني قرب الساعة إذا ما أخذ في الاعتبار ما توصلت إليه الحضارات البشرية في أيامنا هذه وأصبح وجه الأرض لا سيما في الليل مضيئا مشرقا تنبعث منه علامات الزخرف والزينة كما جاء في الآية ولكن الجزء المتبقي من الآية وهو غاية في الأهمية ويشمل اعتقاد البشر في مقدرتهم على التحكم في سرعة دوران الأرض حول نفسها أو حول الشمس ونحو ذلك، وهو ما جاء في قوله تعالى: (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) فهذا الجزء من العلامات لم يقترب بعد ولكن للعلماء الفيزيائيين وأهل العلوم الفلكية في أيامنا هذه دلائل على سير الأرض بل والمجموعة الشمسية بأكملها نحو الانحلال والدمار. من ذلك أن القمر لم يزل في تباعد مستمر بمعدل 3.75 سنتيمتر سنويا عن سطح الأرض، كما تم رصده وحسابه على سطح شاشات أشعة الليزر التي وضعها الفلكيون على سطح القمر عند أول نزول للإنسان عليه واستمرار هذا الابتعاد يجعل القوة الجاذبية للشمس على القمر كل يوم أكبر فأكبر حتى يضمحل ارتباطه بالأرض فيخرج من مداره وتبتلعه الشمس كما قال تعالى في وصفه لأول أحداث يوم القيامة: (فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر) وإذا ابتلعت الشمس القمر انفرط على الفور كل نظام المجموعة الشمسية وتبدأ الأرض في زيادة سرعة دورانها وهذا يعمل على تكسير القشرة الأرضية وخروج الحمم من باطنها ويتبعها الزلازل المتواصلة ومن ثم دمار الكرة الأرضية بأكملها كما قال تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها) ولكن مع كل هذا التطور والبحوث البشرية في دقائق حركات هذه الأجرام السماوية إلا أن الجهل لا يزال يخفي وراءه الوقت الذي تبدأ فيه هذه الأحداث وأولها خروج القمر عن مداره وابتلاع الشمس له. فإن القمر الآن تحت قوى جاذبية الأرض له وجاذبية الشمس وكل يوم يقل ارتباطه بالأرض ويزداد بالشمس ارتباطه والله سبحانه علام الغيوب لديه العلم بوقت هذا الحدث وهو إذا وقع فإنما يقع في لمح البصر كما قال تعالى: (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب). فاكس/ 6975040 E. Mail: [email protected]