لا يمكن للتنظيمات الحزبية المستندة على أيدولوجيا صارمة أن تؤسس للتغيير الذي يحتاجه المجتمع؛ لأنها تخنق التغير الطبيعي وتعيق التغيير الذي ينتجه الإنسان مستجيبا للتحولات التلقائية التي تنتجها حركة الحياة؛ لأن الفعل السياسي الذي يحكم الأحزاب المؤدلجة وبالذات التي تعتمد على السرية عادة ما يحصر أفعاله لصالح التنظيم لا لصالح المجتمع، وكل ما يقوله التنظيم يتحول إلى حقيقة لا يمكن مناقشتها وعلى الجميع الاستجابة. وعادة ما يصبح التنظيم الحديدي أشبه بجهاز أمني له واجهات متعددة كلها تعمل لصالح البنية التنظيمية والتي تنتهي محصلة قوتها في قيادة محورية قد تكون معلنة أو سرية، فإن هكذا تنظيم لا يمكنه أن يبني دولة ولا يعمر مجتمعا بل يتحول إلى منظمة سرية هدفها تحويل الدولة إلى مجال لإشباع مصالح المتحكمين بالتنظيم. وعادة ما يتغلغل الجهاز التنظيمي في الدولة والمؤسسات الخاصة فيحكمها بعقل المنظمة الأمنية فتصبح الدولة مستباحة من جهاز أمني متشعب له، وكلما زادت قوة التنظيم، وله امتداد في دول أخرى، تفقد الدولة معناها وتصبح وظيفتها تقوية التنظيم الأمني لقهر المجتمع، هذه التنظيمات غالبا ما تدمر حضارة الأمم وتفقد المشاريع الحضارية حيويتها، وتنهك طاقة الشعوب في صراعات متلاحقة. ونشير هنا إلى أن أقوى التنظيمات السرية فقدت وجودها وتحولت إلى أقليات محاصرة بنفسها، وبعضها ما زال يعمل ومآله الفناء، والجديد منها يبدو أنه الأجدر ولا محالة أنه سيأخذ دوره ونهايته ستكون أسرع. وفي تاريخ العالم، كل التنظيمات الحديدية أيا كانت الأيدولوجيا التي تعتمدها انتهت بهزائم كبرى، إما بقوة خارجية أو بانهيار داخلي. من وجهة نظري، إن الليبرالية طبيعة التلقائية تتخلق كل يوم في حروب الجهل وتحترم الأديان وتجعل فاعليتها أكثر قدرة على الاستجابة لحاجات الإنسان ومتطلباته.