من العجائب أن الرصاصة الأكثر شهرة واستخداما هي عيار التسعة ملليمترات. ولهواة القياس فيرمز رقم العيار إلى قطر الرصاصة الذي يعادل تقريبا طول آخر كلمة في هذه الجملة. والعجيب أن هناك عيارات أكبر حجما وأثقل وزنا وبالتالي فلديها قوة دمار أكبر، ولكن عالم التسليح اختار هذه الرصاصة الألمانية التصميم لتصبح الأولى في العالم. ومن الطرائف أن اسم الرصاصة «9 ملمم بارا بيلوم» 9mm Parabellum على وزن «برا ... ومبلم» وهي مشتقة من جملة لاتينية Si vis pacem, para bellum ومعناها «إن أردت السلام، فاستعد للحرب» . شكلها «حوتة» تسويق من شركات الذخيرة. وكانت فعلا شعارا لشركة DVM الألمانية التي صممتها وطورتها في مطلع القرن العشرين. والطرفة الثانية هي أن هناك مدارس فلسفية عسكرية تدعي أن إصابة وجرح العدو أفضل بكثير من قتله، ولذا فلا داعي للعيارات الأكبر من هذه. والمبررات لهذا الموقف العجيب أن قتل العدو أثناء الحرب يتطلب خدمات الدفن فقط، وأما الجرحى فهم يمثلون «دوشة» و «وجع رأس» لأنهم يتطلبون العديد من الخدمات المكلفة من مستشفيات وعمليات ميدانية، ونقل مصابين ودم، وعناية مركزة وغيرها. والله أعلم إن كان هذا صحيحا، والله أدرى إن كانت إحدى دواعي اختيار الرصاصة المفضلة عالميا هي تفضيل جرح العدو عن قتله. ولمن يجهل الموضوع مثلي ويشاهد الميدان قد يتفق مع هذه النظرة العجيبة. والآن دعونا ننتقل إلى ساحة مختلفة تماما وهي أوضاعنا المرورية. بدأت كتابة هذا المقال أثناء وقوفي عند إشارة مرورية على إحدى طرقات الوطن. وفوجئت على يميني ويساري وخلفي بسيارات عائلية خاصة ضخمة جدا تكاد أن تصلح للاستخدامات العسكرية. ولإضافة لمسات «هجومية» على تلك السيارات وجدت «صدامات» إضافية مركبة تركيبا محكما على مقدمتها وكأنها جاهزة لخوض معارك جادة. ولمن يتابع تطورات تصاميم السيارات الجديدة سيجد أن أحد الاتجاهات الجديدة في أوروبا هي حماية المشاة من خلال تصميم مقدمة السيارة بطرق تحمي البشر لو صدمتهم السيارة لاقدر الله. يضعون مناطق «لينة» نسبيا لتقليص آثار الصدمة بالبشر في أوروبا، وفي وطننا يضع البعض «دعامات» و «صدامات» فولاذية على سيارات يصل وزنها إلى أكثر من ثلث فيل أفريقي بالغ مما يرفع من مقدار آثار الصدمة بالمشاة «الغلابة» . طبعا لمن يجهل تفاصيل الأمور ويبنى رأيه على مراقبة الوضع قد يصل إلى نتيجة غير صحيحة، وقد يستنتج أننا ننظر للوضع المروري كأنه ساحات معارك، وأن المشاة يمثلون قوات «غير صديقة». والأفضل لهم هو الاتجاه بعيدا عن «وجع الرأس» المصاحب للإصابات المرورية في حوادث الدهس لا سمح الله. يعني القتل بدلا من الإصابة. وتأتي هذه النتيجة غير الصحيحة منعكسة في حجم وتجهيزات العديد من سياراتنا وطرقاتنا وأرصفتنا ومسارات عبور المشاة، وهذا غير صحيح فالإنسان في وطننا لا يقل أهمية عن البشر في أوروبا وأمريكا وسائر بقاع العالم.. أمنية أشعر دائما أن المشاة في العالم العربي «غلابة» ومعرضون لمقدار من «الجربدة العمرانية» وهي من درجات «البهدلة» البيئية. وفي وطننا نحتاج لتصحيح أوضاع العلاقة المتدهورة بين المشاة والسيارات. لو راجعت إحصائيات الإصابات المرورية ستجد أن حوادث الدهس تمثل إحدى الإحصائيات «الخفية» التي لا تظهر الوضع المتدهور الحقيقي للمشاة . أتمنى أن نفلح في معالجة هذه الأمور. بسرعة. والله من وراء القصد.