«لك الدين يارب الحجيج جمعتهم لبيت طهور الساح والشرفات أرى الناس أفواجا ومن كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشتات تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت لديك ولا الأقدار مختلفات» أبيات ثلاثة من بين خمسة وعشرين بيتا تجسد أدق التفاصيل الروحانية التي تعتري جوارح كل عبد منيب إلى ربه، قاصدا المشاعر المقدسة لأداء فريضة الركن الخامس من أركان الإسلام «حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا»، والأبيات المذكورة أعلاه صورت ببلاغة عظمة هذه الفريضة، وشد الرحال لمشاعرها من كل حدب وصوب «من كل فج عميق» لأداء شعائرها طلبا لعظيم ثوابها من رب العالمين، في مشهد يجمع ملايين المسلمين في بقاع هذه المشاعر الطاهرة في أوقات محددة، ومظهر موحد، ونية خالصة في القول والعمل للواحد الأحد. هذه الأبيات بمثابة مقتطف يسير من بين 25 بيتا، تطرزت بأبلغ المعاني، وأروع الصور من خلال القصيدة الدينية «إلى عرفات الله» التي أنشدتها وشدت بها أم كلثوم، من شعر أحمد شوقي وألحان رياض السنباطي. ومن خلال هذا الثالوث الإبداعي، تتجلى أمامك مضامين هذه القصيدة الدينية في صور معبرة ومفعمة بدقة المحاكاة لما يختلج في أعماق الحاج من أحاسيس ومشاعر ومناجاة، وما يتخلل رحلته الدينية منذ الاتجاه لتلبيتها كدعوة أوجبها الله عليه وهيأ له حيالها مقومات الاستطاعة فامتلأت جوارحه بالشوق والدافعية وبدت أمامه التباشير التي عبر عنها من خلال البيت الأول في القصيد: إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله في عرفات وهكذا تتوالى الصور والشواهد والمشاعر الحسية والطمأنينة النفسية طوال مناسك هذه العبادة لكل من يوفيها حقها من التكريس والالتزام بما يكفل تجنيب شعائر هذه الفريضة من أي شائبة وتعزيزها بما يضاعف ثوابها كزيارة المسجد النبوي وقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم .. كل هذه العبر والتوجيه والسمو والتسامي تزخر بها هذه الرائعة الفنية الدينية، ويعزز من قوتها وأثرها وتأثيرها صوت ولغة وحضور وتفاعل أم كلثوم كما هو شأنها في الكثير من الأعمال والروائع الدينية الأخرى ومن بينها: ولد الهدى، سلوا قلبي، حديث الروح، دعاني لبيته، نهج البردة.. إلخ. السؤال هو: أين هم نجومنا (وأعني هنا النجوم الذين يعول عليهم) من تناول مثل هذه القصائد الدينية التي تفيض بها الكثير من دواوين الشعر، أم أن «العقدة» في الافتقار المؤسف لأبجديات قواعد اللغة العربية التي لم نجد من بين من تبقوا من كبار نجومنا من يصنها غير النجم العريق أبو بكر بلفقيه نسأل الله له الشفاء، ولباقي نجومنا استكمال الأهم من مقومات النجم العربي المعزز والمعتز بلغته. بمناسبة عيد الأضحى المبارك: كل عام ووطننا الطاهر بكل ما فيه ومن فيه بخير وفي خير وعز ورفعة وإيمان وأمن وأمان.. والله من وراء القصد. تأمل: لزمت باب أمير الأنبياء ومن يمسك بمفتاح باب الله يغتنم فاكس: 6923348