للحج في قلوب المسلمين أهمية ومكانة كبيرة ذلك لأنهم يحرصون على أداء أمر الله تعالى فيه مثله كبقية الأركان الإسلامية والأوامر الشرعية، ولذلك يلبي المسلمون نداء الخالق الذي أمرهم بأداء هذه الفريضة (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). ولما للحج من أثر معنوي ومادي في الآخرة والدنيا وقبل ذلك ما ذكرناه من أمر إلهي لأداء هذه الفريضة العظيمة فشددنا الرحال إلى بيت الله الحرام وكان ذلك لأكثر من خمس عشرة سنة مضين، وكانت لتلك الرحلة أو الزيارة طابعها وجوها الروحاني والعبادي بل حتى الاجتماعي. فأتذكر عندما وصلنا إلى الحرم ولأول مرة وقعت فيها عيني على الكعبة المشرفة أحسست بحالة من الإشراق في قلبي فوقفت وقفة المتعجب أنظر إلى المنظر المهيب، والناس في ازدحام شديد إلى درجة أننا في الصلاة لم نستطع الركوع إلا انحناء والسجود إلا إيماء. وبعدها قمنا بأعمال الحج حيث الأماكن المقدسة الأخرى مزدلفة وعرفة ومنى، وأتذكر موقفا طريفا حصل لي في رمي الجمرات فعندما كنت أريد الدخول لرمي الجمرات رأيت كثافة الحجارة فدخلت وأنا منحنٍ بعض الشيء خشية أن تصيبني إحداها، وإذا بي أسمع من خلفي صوت قهقهة وضحك متعالٍ فالتفت ورائي وإذا به رجل من إحدى الجنسيات الإسلامية الآسيوية فقلت له بلغة الإشارة لماذا تضحك فرد علي وأنت لماذا تفعل هكذا ؟!. وأتذكر موقفا آخر أيضا عند الجمرات، عندما أردت الرمي وإذا بإحرامي العلوي قد نزل بين أقدام الحجاج فكدت أختنق فصاح بي الناس اتركه وإلا سوف تداس، فقلت كلا لن أتركه، وفعلا خرجت به.. ومرت بقية المناسك بذكرياتها الروحانية الجميلة حتى السنة التي تلتها حيث رجعت للحج من جديد وكانت هذه السنة أيضا لا تقل عن سابقتها في روحانيتها وذكرياتها التي تجعلنا نذرف الدمع للباري سائلين الله تعالى أن لا يجعله آخر العهد والوصال بهذه الأماكن التي هي إحدى حلقات الوصل وإحدى الطرق لنيل رضاه سبحانه. محمد المبارك