أكد العلماء المشاركون في مؤتمر مكةالمكرمة الثالث عشر أن الثابت في الشريعة هو أصول الدين ومحكماته التي أجمع عليها المسلمون، ولا يجوز التفريط فيها أو التهاون في العمل بها بدعوى التحديث والتعامل مع المستجدات؛ وتشمل المعتقدات وأحكام العبادات ومبادئ الأخلاق والمبادئ العامة في المعاملات. وأضافوا أن المتغير في الشريعة هو ما يراعى فيه اختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال، وفي التوسعة فيها رخصة من الله لعباده لاختيار الأصلح لهم، وتشمل الوسائل والأساليب، والفروع والجزئيات. كما أكد المؤتمر على أهمية إنشاء رابطة العالم الإسلامي هيئة إسلامية عالمية تعنى بالأقليات المسلمة خارج العالم الإسلامي، تهتم بدراسة مشكلاتها، وتقديم العون لها في مواجهة التحديات التي تعيق إسهامها الحضاري في مجتمعاتها؛ وذلك تنفيذا لما صدر عن مؤتمر «رابطة العالم الإسلامي.. الواقع واستشراف المستقبل» الذي عقدته الرابطة في عام 1431ه. جاء ذلك في البيان الختامي للمؤتمر مساء أمس الذي انعقد في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكةالمكرمة، بحضور سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي الذي عقد تحت عنوان (المجتمع المسلم الثوابت والمتغيرات) خلال الفترة من 4 6/12/1433ه برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين. وقد تلا الأمين العام للرابطة الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي البيان الختامي للمؤتمر، حيث اعتبر المؤتمرون كلمة خادم الحرمين الشريفين من وثائق المؤتمر، خاصة دعوته الرابطة إلى إعداد برنامج عملي لإشاعة ثقافة التضامن الإسلامي بين الشعوب المسلمة، وأن المملكة ستواصل مساندة الرابطة ودعم جهودها، مقدرين لمقامه الكريم هذه العناية بالرابطة وبرامجها. وكان المشاركون في المؤتمر قد أشادوا بكلمة خادم الحرمين الشريفين، واعتبروها من وثائق المؤتمر، وبخاصة دعوته الرابطة إلى إعداد برنامج عملي لإشاعة ثقافة التضامن الإسلامي بين الشعوب المسلمة، وأن المملكة ستواصل مساندة الرابطة ودعم جهودها، مقدرين لمقامه الكريم هذه العناية بالرابطة وبرامجها. وتحدث سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس المجلس الأعلى للرابطة، فأثنى على اختيار الرابطة هذا الموضوع المهم في هذه الظروف التي تعيشها الأمة المسلمة، وما فيها من مستجدات تستدعي اهتمام العلماء وترشيدهم بنور من هدي شريعة الله، ليتحقق للأمة المسلمة ما تصبو إليه في دنياها وأخراها. في حين، أشار الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى أن المجتمعات المسلمة تواجه اليوم انفتاحا على غيرها من المجتمعات، وهو ما يبرز الضرورة الملحة إلى مضاعفة الجهود لتوعية الأمة وتبصيرها بثوابتها المتصلة بهويتها الدينية والحضارية، وتزويدها بمعايير إسلامية لفقه المتغيرات والتعامل معها وفق رؤية شرعية تحقق مقاصد الشريعة. من جانبه، شكر الدكتور عصام الدين البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي في السودان من خلال كلمة المشاركين في المؤتمر التي ألقاها نيابة عنهم، رابطة العالم الإسلامي على تنظيم المؤتمر واختيار موضوعه، وأكد أن الاستخلاف في الأرض وعمارتها ثابت فيما يتعلق بغايات الاجتماع البشري، وأن تحقيق معناه وصوره من المتغير الذي تجتهد فيه الإنسانية بما آتاها الله من ملكات الإبداع، وأكد على ضرورة الالتزام بنهج الوسطية المرتبط بالأصل والمتصل بالعصر. وقد درس المشاركون في المؤتمر موضوعاته ومحاوره، وأكدوا على المبادئ التالية: الإسلام هو دين الله الذي أكمله وارتضاه للبشرية دينا، وأودع فيه ما يكفل سعادة الدنيا والآخرة، وعلى المسلمين التمسك بالشريعة الإسلامية، والعض عليها بالنواجذ، وعدم التفريط في شيء الإسلام رسالة عالمية تمنح الإنسان قيمته الحقيقية، فتصله بربه، وتقيه من طغيان النزعة المادية، وتنمي في سلوكه ومعاملاته الفضيلة والقيم السامية، ليكون في مجتمعه عضوا صالحا نافعا. الشريعة الإسلامية مصدرها الوحي الإلهي، منها ما هو ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وإن احتمل الاجتهاد في الفهم والتطبيق، ومنها ما يتسع لاختلاف الزمان والمكان، وفي ذلك من المرونة والسعة ما يكفل مناسبة الشريعة الإسلامية لمختلف المجتمعات على اختلاف العصور، وصلاحها لكل زمان ومكان. الثابت في الشريعة هي أصول الدين ومحكماته التي أجمع عليها المسلمون، لا يجوز التفريط فيها أو التهاون في العمل بها بدعوى التحديث والتعامل مع المستجدات؛ وتشمل المعتقدات وأحكام العبادات ومبادئ الأخلاق والمبادئ العامة في المعاملات، وهي أسس قويمة توحد المسلمين وتمنحهم الاستقرار والثبات ووحدة التطبيق المتغير في الشريعة هو ما يراعى فيه اختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال، وفي التوسعة فيها رخصة من الله لعباده لاختيار الأصلح لهم، وتشمل الوسائل والأساليب، والفروع والجزئيات، ويناط بالعلماء الراسخين تحديدها وبيانها وتحريرها وفق فهمهم لنصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأحكام الإسلام، ومبادئه العامة، وقواعد الشريعة الكلية، مع استيعابهم لمشكلات الواقع وتعقيداته، ومراعاتهم لاختلاف البيئات وظروفها، قال تعالى: «وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» (التوبة: 122). الفتوى الجماعية آمنة من منزلقات الفتاوى الشاذة؛ وبخاصة في المسائل العامة التي لا ينبغي أن تكون محلا للنظر الفردي، والأولى بطلاب العلم والمفتين إحالة هذه الفتاوى إلى المجامع الفقهية والهيئات العلمية. ثنائية الديني والمدني فكرة غريبة عن ثقافة المسلمين، فالمجتمع المسلم مرجعيته الشريعة ومبادؤها وأحكامها وقيمها، التي تعتبر هوية للأمة ومصدرا لثقافتها، ولن تنهض إلا بالتزام هدي شريعة الإسلام الغراء التي كمل بها الدين، وأتم الله بها النعمة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة: 3). الإسلام لا يمنع الاستفادة من التجارب الناجحة لدى الأمم الأخرى بما لا يتعارض مع نصوصه وأصوله، فالحضارة إرث إنساني مشترك، يستفيد منه الجميع، والحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها. وكان المؤتمر قد استأنف جلساته الصباحية أمس بجلستين صباحيتين، حيث ترأس الجلسة الأولى الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فيما ترأس الجلسة الثانية الدكتور صالح بن حميد المستشار في الديوان الملكي.