ترجع قضية هروب الفتيات من الأسرة لأسباب متعددة، منها الحرمان المادي، والتضييق في المعيشة أو الاضطهاد، وأخذ الراتب إن كانت موظفة، وتحويلها لآلة تدر المال على الأسرة. أو ربما كان نتيجة لحرمانها من الزواج حتى لا ينقطع على أهلها الراتب إن كانت موظفة، أو كذلك إذا قيدت حريتها في قرار زواجها، منها أيضا العنف الجسدي واللفظي والحرمان العاطفي، وقهر وعنف زوجة الأب أو زوجة الأخ، وغيرها من الأسباب التي تستبيح إنسانية وكرامة هذه الفتاة وحقها الشرعي. والهروب من الأسرة يشمل في بعض الأحيان النساء المتزوجات، على خلفية عنف وقهر الأزواج، وعدم وجود سند أسري أو قانوني يحمي هذه المتزوجة من عنف وقسوة الزوج والأسرة معا، خصوصا أننا في مجتمع يعتبر المرأة هما ثقيلا وعبئا تحمله الأسرة، فلا يخلصها منه إلا زواج هذه المرأة، ولو رجعت لهم مطلقة يعتبرونها كارثة تصم الأسرة بالعار والخزي.. لهذا نجد أغلب الأسر تجبر المرأة على البقاء مع الزوج تحت وطأة العذاب النفسي والجسدي. وفي حالة فكرت هذه المرأة في العودة لأسرتها هربا من جحيم بيت الزوجية فإنها تكون على يقين أن مصيرها الوعيد والويل والثبور، وتتوعدها أسرتها مسبقا إن خرجت من بيت الزوجية بالويل والثبور وعظائم الأمور، فتؤثر هذه الزوجة المعنفة الهروب من بيت الزوجية وعدم العودة لأهلها، ولأننا في مجتمع يعتبر الجماعة هي أساس تكوينه ونواته، فإن أسر الفتيات والنساء الهاربات من المنازل تسرع بمن يعينها على إعادتهن إلى الجحيم الأسري المضاعف عن سابقه، ولو رفضت هذه الأسرة استلام الفتاة فإنها تجد نفسها في دور الحماية والرعاية، للزج بها في هذا الوسط الجماعي للسبب نفسه الذي جاء بهذه الهاربة، ولا يسمح لها أن تعيش في المجتمع الطبيعي. وتتكفل هي بتدبر أمور حياتها بطريقتها الخاصة التي تختارها وتفضلها على ما تقرره لها جماعة الأسرة أو دور الحماية من حياة شقية وتعيسة، ولا يوجد القانون الذي يحمي هذه الهاربة من جحيم الأسرة ودور الحماية والرعاية.. مسكين هو الفرد فلا حياة ولا قيمة له خارج الصف الجماعي، فالجماعة للفرد بمثابة الماء للسمكة لا وجود ولا قيمة ولا حياة له بدونها.