كلما تنفس مجلس الأمة الكويتي، واستعاد روحه سقط في دوامة من الخلافات، سواء التي تدب بينه والحكومة، أو التي تدب في داخله، وصار حكاية لم تتهيأ لها الظروف أن تنتهي، حتى بلغ المشهد الديمقراطي بين النواب إلى الملاسنة والاشتباك منتهيا ب «البصق». وبعد حل المجلس للمرة السادسة، ولم يمض على عودته سوى ثلاثة أشهر، وبعد فترة مماثلة هنأ بها المعارضون والإسلاميون بلذة الوصول إلى مقعد البرلمان.. صار على رئيسه أن يحدد موقفه بصراحه. جاسم الخرافي .. المترقب لقرار أمير الكويت، والمتربع 12 عاما متوالية على مقعد رئاسة البرلمان يكشف في حوار عن خفايا الخلافات التي دبت بين الحكومة والمجلس.. والتي آلت إلى نتائج أثرت في العملية الديمقراطية. • ها قد سجل مجلس الأمة الكويتي السابقة السادسة بحله خلال ستة أعوام فقط، وبعد ثلاثة أشهر من قرار المحكمة الدستورية بإعادتكم للمجلس .. فماذا أنتم صانعون في هذه المرحلة؟ تمت المرحلة الأولى برفع كتاب إلى سمو أمير الكويت متضمنا مشروع مرسوم بحل البرلمان، وأمير البلاد لم يبت في الموضوع حتى حينه، لذا فالكل يترقب الآن القرار الذي سيتخذه. • وكأنكم تقولون إن القضية في يد أمير الكويت وحده، بينما أنتم من سلمه خلاصة خلافاتكم؟ الخلاف المتصدر في البلاد الآن هو بسبب إصدار مراسيم ضرورة بشأن قانون الدوائر، وذلك فيما يتعلق بعدد الأصوات التي يحق للناخب الإدلاء بها، فالآن هي خمس دوائر، وأربعة أصوات لكل ناخب، فهناك من يتوجه بتأييد أحقية الناخب لهذه الأصوات الأربعة، وهناك من يعارض لأسباب مختلفة، من أبرزها وقف محاولة محاربة فرعيات القانون الحالي، والتلاعب في آلية عمل هذه الفرعيات، بحيث لا تستطيع المحكمة الدستورية أن تحكم نتيجة لعدم وجود ما يثبت اتمام هذه الانتخابات الفرعية، وكذلك بسبب التلاعب في كيفية إدارة الفرعيات.. والمطلوب هو تقليص أصوات الناخبين بحيث لا تتيح مجالا للتلاعب أو الممارسات الذي ذكرتها، والمشكلة الأخرى أنها تتيح مناخا لتشكيل تكتلات وتحالفات غير قانونية وغير دستورية، وبالتالي إغلاق الباب على الأقليات التي لا تملك العدد الكافي من الناخبين لمواجهة تلك التكتلات، بالإضافة إلى أنها تحرم محافظات من الوصول للمجلس، فمحافظة الجهراء على سبيل المثال فيها أكثر من 30 ألف ناخب ومع هذا لم يصل أحد من أبناء الجهراء إلى المجلس.. لذا أؤكد مجددا أن سمو الأمير هو الوحيد المخول باستعمال حقه الدستوري في اصدار مراسيم ضرورة لتعديل قانون الانتخابات. • مجلس الوزراء أقر أمس الأول مشروع مرسوم حل مجلس الأمة ورفعه إلى أمير البلاد.. هل تؤيدون الخطوة التي اتخذتها الحكومة؟ ليس هنالك أمام الحكومة أو النظام إلا حل مجلس الأمة، لأن النصاب اللازم لعقد المجلس لم يكتمل، رغم أنني دعيت لذلك مرتين، فرفعت رسالة إلى سمو الأمير قلت فيها «إنني لم أستطع تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بعودة مجلس 2009 نتيجة لعدم اكتمال النصاب مرتين، كي يتخذ ما يراه مناسبا في كيفية معالجة هذا الأمر». • ألا ترى أن الحكومة أرادت بإقرارها هذا قطع الطريق على المعارضة وطمأنتها بعدم الانحياز لغيرها؟ أنا أعتقد أن المعارضة لا يهمها حل مجلس الأمة بقدر ما هي مهتمة بعدم تغيير قانون الانتخاب من خلال مرسوم ضرورة، لما لها من مصلحة في بقائه كي تستفيد من تبادل الأصوات، وخلق التكتلات، لذا فإن هذه الضجة التي تسمعها وتصاعد ردود الفعل هي بسبب المطالبة بتغيير أصوات الناخبين دون الأربعة، فنحن نؤيد صدور مرسوم الضرورة بتغيير عدد الأصوات، وإن كان هناك أكثرية لا ترغب بالتغيير فباستطاعتها أن ترفض هذا القانون لحين حلول المجلس الجديد.. لهذا أرى أن المهم إتاحة المجال للديمقراطية الحقة ولجميع الأطياف في الكويت بالحضور داخل المجلس المقبل. • ولكن ألا ترى أن المشهد الراهن يؤكد تأثر العملية الديمقراطية في الكويت، خاصة وسط الترديدات بأن السلطة التنفيذية المتمثلة في حكومة الشيخ جابر المبارك الصباح تعدت على حقوق وثوابت السلطة التشريعية.. فما تعليقكم؟ يظل الأمر في يد الأمير، فهو يطبق حقه الدستوري ويقرر ما يريد، ونحن نؤمن بحرص سموه على مصلحة الكويت، وعلى العملية الديمقراطية، وليس هناك في الكويت من هو حريص على البلاد أكثر منه، أما الباقون المطالبون ببقاء أحقية الناخب للإدلاء بأربعة أصوات فهذا لمصلحتهم هم لا لمصلحة الكويت. • ولكن بعد سلسلة من حل مجلس الأمة لأكثر من خمس مرات وتصاعد الخلافات بين الحكومة والنواب.. هل تتنبأ لمستقبل مطمئن للمجلس المقبل؟ لا زلت أصر على أن المشكلة لدينا بدأت منذ تغيير الدوائر، وتمكين الناخب من الإدلاء بأربعة أصوات، فأعتقد أن الخلل باق ما لم يتم تقليص الأصوات كما هو موجود في العالم كله، بأن يكون للناخب صوت أو صوتان، فليس في برلمانات أي دولة قانون يجيز للناخب التصويت لأربعة مرشحين، درءا لتضخيم الأصوات، فإن كان عدد الناخبين في الكويت مثلا 500 ألف فإن العملية الانتخابية تجري ب500 صوت إذا كان لكل ناخب صوت واحد، وفي حالة الأصوات الأربعة فالعملية تجري بمليوني صوت، بينما عدد السكان بمن فيهم رجال الأمن والأطفال لا يتجاوزون مليونا و200 ألف. • ولماذا تزايدت الخلافات برأيكم بشكل ملفت بعد أن عادت المعارضة للمجلس متمثلة في أحمد السعدون وتغلب الإسلاميون على 68 في المائة من مقاعد البرلمان؟ الخلافات بين النواب والحكومة هي سبب عدم استقرار المجلس، وهذه الخلافات لو تأملت فيها لوجدت أن سببها الرئيس يعود إلى ما تحدثنا عنه بشأن الأربعة أصوات، إذ تدب الخلافات دائما بين الحكومة والنواب المنتخبين بأربعة أصوات، ولا يمكن تأمين الاستقرار للمجلس وإيجاد الحل الجذري إلا بتقليص الأصوات.. فمصلحة الكويت هي التي تبقى لا المجاملات. • فيما لو آلت النتيجة لإعادة الانتخابات .. هل ستدخلون في المنافسة؟ سبق وأن أعلنت في بداية سنة 2012م أنني لن أرشح نفسي لعضوية المجلس، لقناعتي بوجوب إتاحة الفرصة للآخرين، ولا يوجد في الوقت الراهن ما يستدعي تغيير موقفي.