عرف الإنسان الكذب بداية من قصة وسوسة إبليس لآدم وحواء وقسمه لهما وهو كاذب أنه ناصح لهما بأن يأكلا من الشجرة التي ادعى أن ما نهاهما ربهما عنها إلا لكونها «شجرة الخلد وملك لا يبلى»، أو أنهما «ملكين ومن الخالدين» ( الأعراف 19 21، طه 120121) . فمنذئذ صاحب الكذب الإنسان في كل محطات حياته. فعبدالله بن سبأ ومسيلمة الكذاب وغيرهما، من قبل ومن بعد، أثروا تاريخ وأدبيات الكذب، وفي القرآن الكريم سورة باسم المنافقين، والنفاق كذب. لقد استشرى الكذب في العصر الحديث، وأصبح بضاعة رائجة مع الاختلاف في أسباب وأهداف ووسائل تحقيقها، فأصبح الإعلام والدبلوماسية بشكل عام ضمن هذه الوسائل. فمعروف خلال الحرب العالمية الثانية بروز جوزيف غوبلر ، وزير الدعاية والإعلام السياسي لأدولف هتلر، الذي ينسب إليه القول المشهور: «اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس». ولأن الإنسان ابن مجتمعه، هناك أسباب تدفعه للكذب خلال إدارته لشؤون حياته. فالمرض النفسي للكذاب إحداها، ويؤثر ذلك، مع استعداده التربوي والأخلاقي، على توجهه لاستعمال الكذب، فهو يكذب لأنه يفتقر للقيم التي تردعه عن الكذب. لذلك يعتبر الكذب أمر عادي، ويشعر أنه بممارسته أذكى وأقدر من غيره، خاصة إذا ما حالفه النجاح في كذبه. وتوجد عند البعض غريزة الرغبة في إيقاع الضرر على الغير، فيشبع هذا البعض غريزته عن طريق الكذب، وقد يمارس الإنسان الكذب لدرء ضرر يتوهمه ويخشى أن يقع فيه. كما قد يكذب الشخص لتحقيق فائدة أو منفعة مادية أو معنوية، كالحصول على وظيفة أو مال أو مكانة، أو لزيادة ما لديه، أو للاحتفاظ بما هو فيه من مستوى مادي أو معنوي، ومن أجل ذلك يلجأ لمختلف أساليب الكذب والنفاق والمبالغة في إطراء وتعظيم مناقب من بيدهم مساعدته، كما يتخذ التذبذب والتناقض في مواقفه وأقواله وأفعاله أسلوب له من أجل ذلك. وحيث تعقدت ظروف المعيشة في وقتنا الراهن، ومن أسبابها الفقر، فقد بدأ البعض يجاهد من أجل كسب قوته، فقط ليعيش، ومع ذلك لا يمكنه وللأسف مواجهة أعباء واحتياجات الحياة اليومية من دون استخدام شكل من أشكال الكذب في مجالات منها الرشوة والتستر والتزوير وبيع التأشيرات والاحتيال، وكلها تؤدي للفساد. وتكاد تكون هذه حال شريحة كبيرة من المجتمع. وكون الإنسان يتأثر فيما يجري في مجتمعه فقد تلجئه الظروف للكذب، ومن ثم يتعود عليه ويكون من طبعه، ويصبح الكذب بنظره من خلال تجاربه تجارة مربحة، ويصبح الكذب كذلك سلاحا يشهره بوجه من يريد، ولما يريد، ومتى يريد. والكذب الأبيض هو الذي يمارس بحسن نية، بقصد إصلاح أو تقويم سلوك أو توجه ما، ولا ضرر يقع جراء ذلك على أحد، وهو جائز في الإسلام. فقد روى الترمذي عن أسماء بنت يزيد أنها قالت: إن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: «... الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما». وعن أم كلثوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا» (البخاري ومسلم). وبعد: قد يختلي الكذاب مع نفسه يوما ما، وفي لحظة استراحة قد يستعرض حياته الزاخرة بأعمال الكذب والدجل والنفاق التي قام بها، وقد يتصور ما تسبب به من ظلم وضرر للآخرين بسبب ذلك، خلال لهثه وراء مصالحه الذاتية، عندئذ قد ينتابه الشعور بالحزن والكآبة والأرق، ويحس أخيرا بالندم يوم لا ينفع الندم، هذا إن كان لديه عقل أو بعض من العقل، والله أعلم. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة