من المسلمات في تاريخ الأمم أن أية دولة لم تسقط بفعل أية قوة خارجية مهما كانت تلك القوة من العظمة والجبروت ما لم تكن الوحدة الوطنية منهارة من الداخل، ولذلك قال الله تعالى: «ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». وقال تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا». وإن الأوضاع الإقليمية المحيطة ببلادنا اليوم لتستدعي من كل المواطنين على اختلاف مشاربهم الثقافية والفكرية والمذهبية إلى طرح خلافاتهم البينية جانبا وتوجيه الاهتمام والعمل على توثيق عرى اللحمة الوطنية من خلال قيم ومعايير المواطنة المشتركة التي تنخفض فيها درجة الاختلاف إلى أدنى مستوياتها. فلدينا من المسلمات الوطنية التي نتفق عليها على سبيل المثال لا الحصر ثوابت الدين الإسلامي الحنيف وبخاصة في جانب العقيدة وأركان الإسلام الخمسة التي تضمن الفلاح في الآخرة لمن قام بها صادقا في الدنيا، ثم الولاء الصادق المخلص لولي الأمر من أسرة آل سعود المباركة، هذه الأسرة التي اجتمعت عليها الكلمة وتوحدت على يديها أطراف البلاد واستتب في عهدها الأمن والاستقرار والرخاء في صورة غير مسبوقة في تاريخ الجزيرة العربية، ثم لدينا من قيم المواطنة المشتركة ما نتشرف به جميعا من خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتهيئة سبل زيارتها للحج والعمرة أمام المسلمين قاطبة من كافة أنحاء المعمورة. وأما على الصعيد الإقليمي والدولي فإن جميع المواطنين السعوديين يقفون خلف قيادتهم الرشيدة التي تعمل من أجل وضع المملكة في المكانة اللائقة بها على مستوى دول العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفكريا، فالمملكة اليوم تحتل مقعدها في دول مجموعة العشرين الأقوى اقتصادا على مستوى العالم، كما تساهم بصورة فاعلة في إشاعة قيم الأمن والسلم الدوليين من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين في الدعوة إلى حوار أتباع الأديان والثقافات وما تمخض عن ذلك من إنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية والمعاصرة وحوار الحضارات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في مدينة فيينا بالنمسا. وعلى الرغم من كل ما يتمتع به كافة المواطنين من الأمن والاستقرار والرخاء المعيشي، وعلى الرغم من رسوخ الانتماء الوطني والاصطفاف المسؤول خلف القيادة الرشيدة إلا أننا لسنا بدعا من التاريخ البشري حيث يظهر الخونة لقيم المواطنة الصالحة والخوارج عن وحدة الصف وإجماع الأمة، الذين يجب التعامل معهم بأفرادهم، وعدم تعميم خيانتهم على من خلفهم من الأهل أو القبيلة أو الجهة أو الطائفة أو المذهب دون وجه حق. فذلك التعميم من أكبر الظلم ومن أوسع أبواب إثارة الفتنة والفرقة بين المواطنين، وإن مما يجب الحذر والتحذير منه في هذه الظروف الصعبة المحيطة بنا عدم إتباع الهوى في استمراء اختلاق الخلاف والتفسيق والتصنيف والتكفير وإثارة الشحناء والبغضاء مع المخالفين بالجملة، وتكون المصيبة أعظم إذا كان من يقوم بهذه الأعمال إنما يبحث عن الشهرة وكثرة الأتباع على حساب وحدة الوطن واجتماع الكلمة. * الأمين العام لمجلس الشورى