الاثنا عشر عاما التي قضيتها في فصول الدراسة كانت سنوات فارغة من الأسئلة ومن الأجوبة أيضا. كان كل شيء يسير بطريقة مملة وبالرغم من أني حفظت الطريقة عن ظهر قلب إلا أني كنت أتظاهر أني نسيت كيف تجري الحياة وكيف تسير رغبة في اللاشيء كما سارت بلا شيء أيضا. وحينما تخرجت من السنوات الدراسية أخبرني أهلي أني الآن أصبحت شخصا كبيرا وأن ما سأراه في الجامعة مختلف تماما عما اعتدت عليه طوال الاثني عشر روتينا مضى. كانوا ببساطة يمهدون لي اندماجي بسنوات الأسئلة التي لم أسمع عنها يوما. دخلت الجامعة مرتين في منطقتين ورأيت أن الأسئلة تكبر يوما بعد يوم و اتضحت لي حقيقة أن كل ما مضى من عمري كان مجرد خيبة عظيمة لا تغتفر. الجامعة كانت هي الحياة التي تعلمت منها كيف اكون انا اما ما قبلها فسنوات قضيتها أحشو دماغي بالكثير من الأشياء التي لا تصنع هويتي كإنسان. كانت سنوات تصنعني للاشيء فقط. مع بداية مولد كل شمس كنت أولد من جديد، لا يكاد يمر يوم علي دون أن أتلقى نصيحة من الطاقم التدريسي تخلع جاهلية كل ما مضى وتخلق علما آخر اسمه (إنسان). أشياء كانت موجودة بالفطرة للأسف أحرقتها سنوات الدراسة الأولية بالمقررات التي نادرا ما تصنع فكرة ولكنها تنجح في تحويلنا إلى آلة تستقبل فقط. كانت مناهجنا لا تخبرنا كيف ننتمي للأشياء من حولنا كانت فقط تصنع فجوة لما حولنا. هل أسدت المناهج معروفا لنكبر.. لنخطط.. لننتمي.. لنحاول.. لنحذر ..لننظم؟. كم عدد طلابنا؟. كم شخصا منهم أصبح كاتبا منذ الصغر؟. أو رساما يشار إليه بالبنان؟. كم شخصا منهم الآن أصبح نابغة عصره؟. الإنسان لا يتطور من مناهج يتغير غلافها كل عشرة أعوام.. إنما يتطور حينما يشعر أن الجميع يتعبون من أجله وينتظرون منه أن يحدث التغيير في العالم لا أن يحشى دماغه وكفى.