قبل أسبوع من إطلاق «عكاظ» الجديدة في 23 يناير 2012م تلقيت اتصالا من الأستاذ عبدالله عبيان مدير التحرير للشؤون الثقافية يطلب فيه أن أشارك بمقال أسبوعي في هذه الجريدة الغراء، وقد فاجأني حينئذ ولم يترك لي فرصة التفكير في الأمر، فقد أشعرني بكلماته وتشجيعه أن بإمكاني تقديم شيء يليق بتطلعات قراء «عكاظ» ومحبيها. بعد مرور يومين أو ثلاثة هاتفني مرة أخرى كي أزوده باسم الزاوية التي سأطل منها على القارئ، فأبديت له رغبتي أن تكون مقالاتي في صفحة الرأي، ولكنه أقنعني بحنكة الصحفي الماهر أن أكتب من خلال عمود اخترت له في ذات المكالمة عنوان «تأملات» التي أعلن توقفها الاضطراري اعتبارا من اليوم نظرا لارتباطي بمهمة عمل في الصيف خارج الوطن. تجربتي المتواضعة مع الكتابة بدأت عندما عملت محررا ثم رئيسا للتحرير بمجلة «الطالب» التي كانت تصدر عن الأندية السعودية في المملكة المتحدة وأيرلندا للفترة بين عامي 1995-1997م، حيث كنت أكتب المقالات الافتتاحية للمجلة ورسالة الأندية، وهي نشرة شهرية تعنى برصد ومتابعة أنشطة المبتعثين السعوديين العلمية والاجتماعية بشكل دوري. لقد أتاحت لي تلك التجربة اللقاء بالأديب الكبير الراحل الدكتور غازي القصيبي يرحمه الله حيث كان يعمل سفيرا للمملكة لدى بريطانيا. الجلوس مع غازي القصيبي ومشاركته الاجتماعات السنوية للهيئة الإدارية للأندية السعودية متعة كبيرة، حيث لا مكان للملل من طول الاجتماع، وهو متحدث من طراز رفيع، ويمتلك لغة راقية ومقنعة في العربية والإنجليزية ولازلت أذكر مقابلة له في برنامج «بانوراما» الشهير في قناة ال «بي بي سي» البريطانية وقد انبرى مدافعا عن بلاده المملكة العربية السعودية وداحضا باقتدار كل الشبه التي أوردها مقدم البرنامج. كلمات غازي القصيبي وتلميحاته المبنية على رؤيته الواسعة وتواضعه ودماثة خلقه تركت في نفسي أثرا كبيرا، وقد تعامل مع حماس الشباب وأطروحاتهم بحكمة الكبار. التقيت أيضا بالأستاذ عبدالله الناصر الملحق الثقافي في ذلك الوقت وعضو مجلس الشورى حاليا وهو مثقف وكاتب معروف أشرف على تأسيس وإصدار المجلة الثقافية منتصف التسعينات الميلادية، وأصبحت المنبر الثقافي للسعوديين وأغنت عن الحاجة لمجلة «الطالب» التي توقفت عن الصدور بعد مغادرتي نهاية عام 1998م. توقفت بعدها عن ممارسة الكتابة إلا من بضع مقالات متفرقة في الصحف لانشغالي بالتدريس والبحث العلمي في الجامعة. تجربة الكتابة لذيذة لا تخلو من ألم وحسابات ومسؤولية، وتمنح المبتدئ نشوة عابرة عندما يرى صورته ومقاله منشورا، ثم ما يلبث أن يفكر بالتوقف لأنه يشعر بالإحباط حين يكتشف أن عدد القراء لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، مما يعني أنه يغرد بعيدا عن احتياجات الناس وآلامهم وآمالهم. هل يتوقف الكاتب إذا لم يجد المتعة ويكون قادرا على الإبداع وينحاز للقراءة الشقيقة الأجمل، وربما الأسهل لمن يفضل الجلوس على دكة الاحتياط ويترك الميدان للمحترفين الذين يمتعون الجمهور بأدائهم وموهبتهم.. ألقاكم على خير.