متابعة للمقال السابق، أردت اليوم عرض مفهوم التنميصاد (أي ربط التنمية بالاقتصاد) من خلال نموذج يوضح كيفية ربط الشركات نجاحاتها المالية برفاهية وتنمية مجتمعها. فكما أوضح مقال في مجلة هارفرد للأعمال (يونيو 2011)، يمكن للشركات تحقيق الأرباح، بينما تستفيد المجتمعات التي تعمل فيها من خلال الحصول على خدمات أساسية أو الحصول على وظائف مثلاً ورفع قدرتها الشرائية. مما يؤدي إلى تحقيق المزيد من الطلب داخل المجتمعات ويسمح بنمو أعمال الشركات. فكما جاء في المقال، لم يكن هناك شبكة إمداد مائية تخدم سكان شرق مانيللا بالفلبين قبل عام 1977 م، وكانوا يقومون بدفع ما يوازي 6 أضعاف السعر الرسمي لشراء مياه منخفضة الجودة من التجار غير الرسميين لأن تكاليف التوصيل كانت هي السبب في ارتفاع هذه الأسعار، حيث يتم تحويل المياه إلى الشاحنات، ثم إلى الوسطاء ثم بيعها للمنازل في عبوات معدنية كبيرة مما جعلها عرضة للتلوث وبطريقة غير قانونية. عندها تدخلت شركة اتحاد مانيللا الخاص لحل هذه المشكلة ولربط مزيد من الناس بنظام المدينة، وتقليص المتاجرة بالمياه المسلوبة، ومن ثم خفض التكاليف على المجتمع. فهنا تستفيد الشركة اقتصاديًا من تزايد كميات المياه المستهلكة، في حين ساعدت في حصول الناس على مياه نقية ارخص سعراً. كذلك قامت شركة «يونيليفر هندوستان» بخلق مجموعة من أصحاب الأعمال من خلال تدريب 50 ألف سيدة لتثقيف وتدريب المستهلكين على بيع الصابون ومعجون الأسنان وغيرها من المنتجات المنزلية، مما ساعد هؤلاء السيدات بدورهم بإنعاش نظام البيئة الاقتصادية المحلية من خلال الاقتراض من البنوك المحلية ومؤسسات التمويل متناهي الصغر. لا اقصد من خلال هذا المقال أن أبين أن تحقيق التنميصاد هو بالأمر السهل، بل أن أبين أن تحقيقه ممكن. السر يكمن في الرؤية والتخطيط وفهم الاحتياجات ووضع خطة لتلبيتها من خلال عمل الشركات وزيادة ربحيتها. مع إطلاق مجلس الغرف لمشروع «استدامة الشركات السعودية»، أنا على يقين أننا قريباً سنرى نماذج سعودية ناجحة في التنميصاد دمتم على استدامة.