الحمد لله على قضائه وقدره، وله ما أخذ وله ما أعطى، وإنا لله وإنا إليه راجعون، لست أدري كيف أبدأ وكيف أنتهي، فالصدمة أكبر من كل مقال، والمصيبة أعظم من كل مقام، المصاب جلل، والفقيد رجل قل أن يكرره التاريخ، أو يجود بمثله الزمن. نعم إنه نايف بن عبدالعزيز الذي جاءت وفاته فاجعة بكل المقاييس، لا يستطيع الوجدان البشري تحملها، ويشهد الله أنني عندما تلقيت الخبر لم أستطع تصوره، بل إنني أوشكت على تكذيبه لولا أن تداركتني رحمة الله فاسترجعت. قد كان رحمه الله رئيسا لي ووالداً وموجهاً ومرشداً ومعلماً. أخذت منه أصول القيادة، وتعلمت منه أسس الإدارة، واستقيت منه قواعد التعامل، ورغم ذلك لم أكن لأصل إلى شيء مقارنة به رحمه الله فلقد كان نموذجاً نادراً من القادة، كان عالماً بأصول السياسة والحكم، متمكنا من الأمور الشرعية والقواعد النظامية، يملك حلما لا يملكه إلا القليل النادر من الرجال، دبلوماسياً بارعاً يتعامل مع الموقف بما يستحقه، يواجه القضايا الدولية والاجتماعية بحزم عمر بن الخطاب، وحكمة عمرو بن العاص وروية الأحنف بن قيس، وسياسة معاوية بن أبي سفيان، رجل صالح في دينه «ولن أزكي على الله أحدا»، مخلصاً لمليكه، محباً لوطنه، متفهماً لحاجاته، مدركاً لمتطلبات العصر مع الالتزام بالثوابت، عاملا بكتاب الله وسنة رسوله. عايشته سنوات طويلة عندما كنت معه في مجلس وزراء الداخلية العرب، رأيت فيه الرجل القادر على مواجهة الصعاب ومعالجة القضايا المتعسرة، وإدارة الأمور بحكمة نادرة، حتى أن المختلف معه يحرص على رضاه أكثر من المتفق معه، ترأس مجلس وزراء الداخلية العرب في أوج أزمات الدول العربية فكان نعم الرئيس، يحتوي الصراع كل منهم بما صدر له من توجيه وما أعطاه إياه من رأي، ثم عملت معه في وزارة الداخلية، فكان وزيراً عظيماً وصانع قرار متمكناً وسياسياً بارعاً، مدركاً لبواطن الأمور، حريصاً على أداء الواجب على الوجه الأكمل، يعامل الناس سواسية، عادلا في قراراته، حكيماً في تصرفاته، محكماً لشرع الله في كل أموره. تقف الكلمات في فمي، وترجع الجمل إلى صدري، ولست أدري ما أقول ولا أملك من العبارات ما أسطره، فالفقيد فقيد الناس كلهم، والمصاب مصاب الوطن أجمع، بل والعالمين العربي والإسلامي، عزاؤنا في خادم الحرمين الشريفين وإخوانه وأبناء الفقيد، ففيهم تعقد الآمال، وبهم قامت الدولة، فالجميع تخرج من مدرسة الملك عبدالعزيز التي أنتجت نايف، كما أنتجت قبله رجالا عظماء لا يقلون عنه مكانة وقيادة وعلماً. حفظ الله الجميع وغفر لنايف وجبر الله مصيبة الجميع.. وإنا لله وإنا إليه راجعون. * وكيل وزارة الداخلية