للصيف مذاق خاص عبر الثقافات، فهو موسم الإجازات والسفر والاسترخاء وممارسة الهوايات، بحيث يتم برمجته لإنجاز أهداف متنوعة. من خلال إقامتي في الغرب لاحظت انتشار ما يعرف بالمدارس الصيفية (Summer Schools) التي تقدم برامج في اللغات الأجنبية والرياضيات والعلوم والفنون والآداب والرياضة ومختلف المهارات عن طريق الجامعات والجمعيات العلمية والمنظمات الخيرية، ويستفيد منها المختصون وفئات عمرية مختلفة، ولكن تركيزها الأكبر على الشباب من طلاب المرحلة الثانوية والجامعات. تمنح هذه المدارس مواد دراسية تحتسب كساعات معتمدة في الدراسة الجامعية وما قبل الجامعية، وتقدم برامج تستهدف تنمية مهارات محددة لشرائح مهنية واجتماعية واسعة. وتقوم دول الاتحاد الأوروبي مثلا بتشجيع الالتحاق بهذه البرامج وتبادل الطلاب والمشاركين بين مواطني هذه الدول، وتعتمد المؤهلات وفقا لاتفاقية التكامل والتبادل العلمي والثقافي في التعليم العالي (Erasmus) التي تأسست في العام 1987، وتتبنى فلسفة التعلم مدى الحياة. تتميز هذه البرامج بالجدية والمتعة والفائدة لجميع الأطراف، أولا لأنها مقابل رسوم، وثانيا لأنها اختيارية، بمعنى أن المشاركين يلتحقون عن قناعة تامة وبناء على استشارة أسرهم أو خبراء في المجال. أتذكر هذه التجربة ونحن نبدأ إجازة الصيف الطويلة، حيث نواجه تحدي ملء وقت الفراغ لأبنائنا وبناتنا، خصوصا للأسر التي لا تستطيع السفر داخل أو خارج البلاد. لدينا أنشطة تشبه في فكرتها المدارس الصيفية الغربية لكنها بحاجة إلى تطوير كما وكيفا .. شكلا ومضمونا، وأعني هنا الفصول الدراسية الصيفية في الجامعات والمراكز الصيفية التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم ومراكز التنمية البشرية التابعة لمؤسسة التعليم الفني والتقني والبرامج الموجهة لمؤسسة موهبة لدعم المبدعين والمخترعين السعوديين وحاضنات الأعمال التي تتبناها بعض الجامعات بالاشتراك مع الغرف التجارية السعودية. هناك أيضا مبادرات نوعية لمركز سايتك للعلوم والتقنية وشركة أرامكو في هذا الاتجاه تتمثل في مراكز الإعداد للدراسة الجامعية ودعم التعلم الذاتي وتطوير مهارات الحياة. عمادات شؤون الطلاب وخدمة المجتمع بالجامعات التي يخبو نشاطها في الصيف يمكنها من خلال الإمكانات المادية والبشرية والخبرات التي تتوافر عليها تبني الكثير من الأنشطة العلمية والثقافية وفتح أبوابها للمجتمع المحيط لخدمته وتنميته. هناك قضايا تشغل أذهان الشباب والشابات تتمثل في اجتياز اختبارات المركز الوطني للقياس والتقويم والحصول على مقعد في الجامعة والتمكن من مهارات الرياضيات واللغة الإنجليزية والحصول على عمل بعد التخرج، فما الذي تستطيع المؤسسات الوطنية المعنية فعله لمساعدة هذه الشريحة الغالية بلوغ أهدافها. لدينا قدرة عجيبة على التكيف السلبي مع الفصول، فنشتكي من يبس الخريف، ويلهينا حسن زمان الربيع، ونتأذى من برد الشتاء وحر المصيف، فهل نحلم أن يكون الصيف نقطة التحول إلى موسم الهجرة إلى اكتشاف الذات وإثراء أوقاتنا وحياتنا ونتخلى عن ممارسة قتل الأوقات وإضاعة المال وننشر ثقافة الحرص على ما ينفعنا، أم أن مسلسل الهروب سيستمر؟.