بالأمس القريب طرحت حول القرار المتعلق بالممارسة الصحفية وقصرها على الصحفيين المهنيين وأعضاء الهيئة الصحفية عدة آراء وتساؤلات، وبرغم أن ما أثير ناتج من التباس مفهوم الممارسة وما تعنيه ومجال تطبيقاتها، حيث ترافق هذا الالتباس مع القرار الذي صدر بصيغة عامة لم تحدد المعالم لتلك الممارسة الصحفية، إلا أنني هنا سأكتب وفقا لرأي ثقافي، مبتعدا عن الخوض في تحليل تداعيات وتأثيرات ذلك القرار، وأبدأ بتساؤل حول ما تدل عليه «ممارسة صحفية». وانطلاقا من أن الممارسة متصلة بمهنة الصحافة فالأولى أن نتحدث عن مهنة الصحافة ذاتها ثم نعود ثانية إلى تحديد الممارسة، فالمهنة الصحفية يتم تعلمها أكاديميا ومن ثم يبنى على التعليم تأهيل بموجبه يتدرج من يعمل في تلك المهنة في مهاراته وفي خبراته، وهذا هو الغالب نظرا لإمكانية حدوث تأهيل بناء على موهبة واكتساب خبرة دون تعليم أكاديمي بمثل ما هو حاصل مع باقي المهن، وبالتالي تحدث فروقات نتيجة لتفاوت التعليم والخبرة تقل وتزيد بين زملاء المهنة أنفسهم. وما نعرفه أن مهنة الصحافة سواء كانت بعد المرحلة التعليمية أو بعد خوض تجربة العمل الصحفي تدور وتهتم بجوانب العمل الصحفي التي تحدد معالم المهنة الصحفية، وأهم تلك الجوانب: الخبر الصحفي، التحقيق الصحفي، الحوار الصحفي، التقرير الصحفي، الإخراج الصحفي، التغطية الصحفية .. إلخ. واختلاف صحفي عن زميل له كما هو تباين صحيفة عن أخرى ومدى نجاح صحفي وصحيفة يتوقف على تحقيق ما تتطلبه تلك الجوانب من إعداد ومراجعة وتقييم وتطوير بشكل متميز، وبالتالي فالممارسة الصحفية هي التعامل باستمرار مع فحوى تلك الجوانب من العمل الصحفي والظروف المحيطة بها. عندما نتناول مسألة الكتابة في الصحف فهي ليست متجانسة ولا يمكن ربطها بشكل مستمر بمسألة المهنة الصحفية، وإذا كان الصحفي المؤهل يتعامل مع خصائص وشروط ومقومات الممارسة الصحفية فهو قد يتقن فن الكتابة الصحفية إلا أنه ما زال في دائرة أهداف المهنة ذاتها لأن الكتابة الصحفية تختلف عن ما يطلق عليه «الكتابة في الصحف»، حيث إن الكتابة الصحفية هي جزء من الكتابة بحالتها العامة والتي تمتلك مدى أوسع وأكثر صلة بالثقافة والفكر. يطمح الصحفي بحكم مهنيته وتأهيله ومتطلبات عمله بتحقيق نجاح نسبي سواء في ممارسته لعمله الصحفي أو أثناء تعامله مع كتابة صحفية مستقلة بكونها حقا متاحا له، إلا أن الصحف أيضا تجمع بين مخرجاتها المهنية وبين كونها حاضنة للثقافة في أبعاد وحالات متعددة باعتبار الصحيفة قناة إعلامية وثقافية معا. من أهم أبعاد الثقافة المتوازية مع الجانب الإعلامي للصحف هي تشكل الرأي أو ما يعرف أحيانا بصناعة الرأي، وكذلك ما يصاحبه من نقد وتحليل وفكر، وكل من الرأي والفكر يسهم في تفعيل مشهد ثقافي وتأثير تنويري على مستوى الفرد والمجتمع مما ينبثق عنه إبداع ووعي عام. والكتابة في الصحف لا يمكن مقارنتها بنوع ومستوى الكتابة في المجلات والدوريات، ومن ثم فإن الكتابة الأعمق والأكثر تركيزا منهما هي الكتابة عبر الأوراق والأبحاث والإصدارات، لكن تلك الفروقات بين أنواع الكتابة تصبح ضرورية لأسباب شتى، منها ما يتعلق بطبيعة المتلقي ومنها ما يتعلق بنوع الخطاب ومنها ما يتعلق بالإشكالات المطروحة، ولهذا تتوازى أهمية الكتابة بأنواعها المختلفة رغم نسبية ما تقدمه للقارئ، وتظل تلك الاختلافات بين أنواع الكتابة ضرورية فلكل نوع سياق وهدف معرفي، وتسعى كل كتابة منها إلى دور ثقافي وفكري يميزها ويتباين في أكثر من بيئة ومحيط وسياق وخطاب، ولهذا لا تعد الاختلافات بين أنواع الكتابة مبررا للاكتفاء بأنواع متقدمة منها دون الأخرى، فالكتابات عبر وسائل وقنوات الإعلام هي محور الربط بين المشهد الثقافي وبين الدور الثقافي للصحف. 29 مايو 2012م الرياض