بداية أستسمح القراء الأعزاء في فاصل هذا المقال وسأواصل في الأسبوع القادم ما وعدت باستكمال تناول مثلث قروض الإسكان كحل مقترح لصندوق التنمية العقاري لفك المعادلة الصعبة حيث إن تدشين خادم الحرمين الشريفين حفظه الله يوم الاثنين الماضي للمدن الجامعية والإسكان الجامعي والمستشفيات الجامعية بقيمة (81) مليار ريال يحتم وقفة تأمل لرؤية ملك. إن التركيبة السكانية للمملكة يغلب عليها الشريحة الشبابية وبالتالي فإن الاهتمام بمستقبل الشباب هو من الأولويات الاستراتيجية في التخطيط التنموي للمملكة ومانراه في أرض الواقع هو تجسيد لهذا الاهتمام بل إنه تجسيد لرؤية ملك لبلوغ مجتمع المعرفة وفق منظومة متكاملة للكيانات التنموية المختلفة للوطن. عندما أطلق خادم الحرمين الشريفين برنامجه للابتعاث الخارجي استبشر الجميع بهذه البذرة لينهل أبناء الوطن من مختلف العلوم من جامعات معروفة في العالم ويكتسبوا مهارات ومخرجات علمية مختلفة ويتبادلوا ثقافات متعددة بلغات عالمية وينقلوا ما اكتسبوه من تقنيات ومهارات إلى الوطن. منذ عقد من الزمان كنا نواجه مشكلة القبول في الجامعات الحكومية بسبب قصور الطاقة الاستيعابية للجامعات الثماني في ذلك الوقت عن تلبية احتياجات مخرجات التعليم العام فكان التخطيط لتوليد جامعات من الجامعات الحكومية وتشجيع الاستثمار في التعليم العالي الأهلي فأصبحت الجامعات الحكومية (25) جامعة بالإضافة إلى (34) جامعة وكلية أهلية وأصبح التنافس بينها متطلبا واضحا في الجودة والنوعية للخروج بمخرجات عالية الجودة وبما يتناسب مع سوق العمل. ولنتصور فقط أن الطاقة الاستيعابية المستقبلية للمدن الجامعية الجديدة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين تصل إلىٍ مليون طالب وطالبة مما يعني إمكانية معدل دوران إضافي للقبول بأكثر من مائتي ألف طالب وطالبة سنويا في الجامعات الحكومية فقط ناهيك عن طاقة استيعابية أخرى للتعليم عن بعد والجامعة الالكترونية لمن فاته الركب ومن هم على رأس العمل. إن تأسيس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية هو إشارة للجودة والنوعية والعناية بالبحث العلمي وما ينبغي أن تتنافس عليها مؤسسات التعليم العالي بشقيه الحكومي والخاص فلايكون الكم على حساب الكيف. كما أن دمج كليات البنات في جامعات التعليم العالي وتأسيس جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالمستوى الذي نراه إشارة أخرى إلى هدف الجودة والنوعية في التعليم العالي النسائي والعمل مستمر في مشاريع إضافية للمدن الجامعية للطالبات وهذه الإشارات تجعل المسؤولية أكبر وأعظم على مديري الجامعات والمسؤولين فيها والأكاديميين من حيث الجودة والنوعية والتميز والإبداع والوصول إلى مخرجات نوعية تتفق مع مستويات البنية التحتية حتى لاتتحول أزمة الجامعات التي كنا نعاني منها إلى أزمة خريجين. إن التركيز على التخصصات العلمية والمهنية وتخصصات الطب والعلوم الطبية بصفة خاصة وتدشين المستشفيات الجامعية لا تقتصر نتائجه على التعليم العالي فحسب بل تمتد إلى التكامل لرفع مستوى الخدمات الصحية في المملكة ولا شك في أن الاهتمام ببرامج تقنية النانو وتطبيقاتها وعلوم الطاقة والاهتمام بمراكز التميز والإبداع للجامعات في مجالات علمية وبحثية وتطبيقية بالإضافة إلى تشجيع إقامة المؤتمرات والندوات والملتقيات والمعارض العلمية والابتكارية في الجامعات ومشاركة أساتذتها وطلابها في المحافل العلمية العالمية والإقليمية وتعزيز الشراكات مع الجامعات المرموقة في الدول المتقدمة والتوسع في الكراسي العلمية يعطينا الانطباع بالمسار المتميز الذي ينبغي أن يكون عليه التعليم العالي في المملكة. ولا عذر لأي منهم في أي تقصير بل ينبغي بذل المزيد من العطاء العلمي والبحثي لخدمة الوطن.. كلمات شكر جميلة عبر بها الطلاب والطالبات في المدن الجامعية الجديدة وهم يخاطبون خادم الحرمين الشريفين عبر الاتصال الفضائي عن فرحتهم واستبشارهم بهذه الصروح العلمية العملاقة وفي المقابل كلمات صريحة وبشفافية عالية قالها خادم الحرمين الشريفين مخاطبا الوزراء أنه يحملهم مسؤولية خدمة المواطن في كافة المجالات وأن يجعلوا مكاتبهم مفتوحة للمواطن لتلبية احتياجاته.. فهنيئا لنا بشفافية الملك ورؤيته الثاقبة لتنمية الوطن والمواطن وبناء الإنسان والمكان.