قبل أربعين عاما مر الملحن الراحل صالح الشهري على مدينة جدة، قادما من القنفذة، كان الهاجس الوحيد لهذا الشاب هو خوض غمار المنافسة، لم يكن يفكر في تلك الفترة بالتلحين، ولم يكن يتخيل أنه سيصبح من أفضل الملحنين السعوديين على المستوى المحلي والخليجي والعربي، كانت رغبته تنحصر في كيفية الغناء ودخول الساحة الفنية، وأن يصبح فنانا ومطربا معروفا، كان يريد دخول أجواء المنافسة القائمة في تلك الفترة بين الفنان الراحل طلال مداح ومحمد عبده، فالشهري يرحمه الله كان يحمل صوتا جميلا، وطموحات كبيرة، كان يحدث نفسه دائما حتى في الفترة الأخيرة قبل مرضه، أن لديه مايقدمه، إلا أن تلك المرحلة لم تكن تحتمل دخول منافس جديد، وخصوصا بعد أن دخل الفنان عبادي الجوهر في المشهد الغنائي، ورغم ذلك حاول الشهري والتقي في تلك الفترة بالملحنين طاهر حسين ومحمد المغيص، سعيا أن يساعداه في دخول المعترك الغنائي، فتنقل الشهري في الأمسيات في مدينة جدة لتحقيق هذا الطموح، إلا أنه توارى عن الأنظار لسنوات بسب هموم الوظيفة، فانتقل إلى مدينة الظهران، وقرر في تلك الفترة أن يتجه إلى الألحان، كان يقدم الأناشيد في المعهد الفني بهذه المدينة، وصدفة زار المعهد في تلك الأيام الفنان محمد عبده، الذي لم يلتقيه الشهري من قبل، فكانت الفرصة مواتية فغنى صالح الشهري في حضوره لحنا للموسيقار سراج عمر بعنوان (سرى ليلي) التي غناها الفنان الراحل طلال مداح وأردفها بأغنية أخرى (قديمك نديمك) للفنان الراحل فوزي محسون، وقد حرض الشهري أن يغنيها بشكل جيد وملفت، في تلك الليلة لم ينم هذا الشاب وظل ساهرا يفكر هل هي حقيقة أم خيال، أغنى أمام محمد عبده ويشيد بي وبما قدمت، كانت بالنسبة له فرحة دفعت إصراره ومنحته إحساسا مضاعفا أن لديه شيء يقدمه. عرف هذا الشاب أن فرع التلفزيون السعودي بالدمام، يريد أن يدعم برامج الأطفال بملحنين، فقرر القيام بالتجربة، إلا أن العائق الذي واجهه هو أنه لم يجد نصا عند أي أحد من الشعراء الذين يعرفهم، ليقدمه للتلفزيون، ولم يستسلم الشهري لليأس، فقرر أن يكون شاعرا وملحنا، فكتب أغنية بسيطة في مفرداتها تنصح الأطفال بالابتعاد عن الكبريت، واستمرت أعمال الأطفال تتوالي لمدة ثلات سنوات، في هذا المبنى سنحت له الفرصة أن يلتقي بعدد من الفنانين الخليجيين، منهم علي عبدالستار وأحمد الجميري. الجمعية تجمعه بالمطربين بعد أن افتتح فرع لجمعية الثقافة والفنون بالمنطقة الشرقية، أختير صالح الشهري رئيسا للقسم الموسيقي، فأشرف على حفلات للفنانين الشباب، ومن بينهم الفنان راشد الماجد الذي التقاه للمرة الأولى في عام 1982، كان الشهري يبحث في تلك الفترة عن أصوات شابة يقدمها للساحة الغنائية، فأخبروه أن هناك طفلا في الحادية عشرة يمتلك صوتا جيدا يريد الغناء، جاء هذا الطفل، فاكتشف الشهري أنه يعرف والده، واصطحبه معه إلى مكتبه، إلا أن الشهري شعر بأن صوت هذا الطفل لم يكتمل وإنما صوته لم يكتمل بعد لصغر سنه، وانتظر الشهري قليلا لتكون بدايته مع راشد الماجد بأغنية «الصاحب اللي» كلمات سعد الخريجي وبعدها (يامليح السجايا) لسعود سالم، ثم توالت الأغنيات (ابشر من عيوني) وغيرها من الأعمال. وفي نهاية فترة عمله بالجمعية قدم مع الفنان رابح صقر الذي أخذ يتوهج شبابيا، فاشترك رابح في أوبريت (مواكب البهجة) الذي لحنه صالح الشهري. «ياناس أحبه» في السطوح كان الشهري لا يتقاضي أي شيء عن ألحانه في تلك الفترة، يريد أن يعرف بنفسه كملحن، فكان يقدم أعمالا للفنان علي عبد الستار وغيره من الفنانين الشباب، حيث تعرف على (عبدالستار) في إحدى المناسبات بالعاصمة القطرية (الدوحة)، وقدم له عملين، إلا أن الانطلاقة كانت معه في أغنية (ياناس أحبه) في تلك الفترة كانت تعقد القمة الخليجية في الرياض، وشارك على عبدالستار في أوبريت خليجي، قال له الشهري خلف كواليس الحفل، أن لديه عمل جديد، فحاول أن يسمعه إلا أن الصخب حال دون أن يسمعه، فقررا أن يذهبا إلى (السطوح)، فأخذ العمل وبعد عامين اتصل به عبدالستار ليطلب تنازل الأغنية إلا أن الشهري كان قد نسيها تماما، إلى أن ذكره علي عبدالستار بأغنية (السطوح)، فكانت (ياناس أحبه) أول أغنية يتقاضى عليها أجرا بلغ 10 آلاف ريال، ليتسأل الناس عن هذا اللحن وهذه الأغنية وهذا الملحن. في تلك الفترة التقى صالح الشهري بالفنان عبد المجيد عبد الله، الذي كان قد تميز ب(سيد أهلي) ثم بأعماله مع الملحن خالد الشيخ، فحين زار عبدالمجيد المنطقة الشرقية، ذهب إليه الشهري وتعرف عليه ودعاه إلى منزله، ثم اخذت العلاقة تتشعب من علاقة فنية إلى علاقة أخوية، إلا أن الشهري عزز تواجده في الساحة الفنية مع راشد الماجد بأغنية حققت لها حضورا آخر وهي (ابشر من عيوني الثنتين مثلك تلبى مطالبه) للشاعر راشد بن جعثين. إلا صالح الشهري قفز مع الفنان عبدالمجيد عبدالله إلى المستوى العربي، حين قدما سويا أغنية (رهيب) للتتوالى النجاحات في أعمال عديدة (متغير علي) (روحي تحبك) و(يا بعدهم كلهم). شخصية خجولة ولعل صالح الشهري يرحمه الله من الملحنين الذين تربطهم علاقات وطيدة بالجميع، الكل يكن له الود والاحترام، إلا أن علاقته بالفنان عبدالمجيد عبدالله علاقة صداقة وأخوية، دائما ما يسافران سويا، لا يخلو ألبوم لعبدالمجيد عبدالله من أعمال لصالح الشهري، إلا أن غياب صالح عن طروحات عبدالمجيد فترة ما كانت تثار أسئلة حول خلافات قد طفحت بينهما، إلا أن الود الأخوي والتفاهم والرؤية والمرحلة ومتطلباتها كانت أكبر من أي خلافات. في المقابل كانت شخصية الشهري خجولة ومجاملة، يخجل أن يقول أنه لن يتعاون معه، سواء كان معروفا أو شابا.