هبط الإنسان على سطح القمر ست مرات وكانت آخرها بتاريخ (7) ديسمبر 1972 عندما حطت مركبة أبولو 17 في «بحر الأمطار»Mare Imbrium. وكانت إحدى أهم الأبعاد العلمية للرحلة هي البعد الجيولوجي. وقد تم تجميع عينات صخور وتربة من القمر لتحليلها على الأرض. الطريف في الموضوع أن رائدي الفضاء اللذين هبطا على القمر ذهلا عندما اكتشفا أن هناك تربة برتقالية اللون بالقرب من مركبتهما. والعجيب في ذلك أن تربة القمر هي عموما مملة ورمادية اللون، وأما اللون البرتقالي فهو يعكس «هيصة» جيولوجية تاريخية كبرى تبين وجود الحديد، والأوكسيجين وتعرضهما «لطبخة» أو «تسبيكة» جيولوجية لم تكن على حسبان العلماء. وكان اللون البرتقالي هو اللافت للنظر لرائد الفضاء الجيولوجي «هاريسون شميت» الذي انبهر به وسط آلاف الكيلومترات من اللون الرمادي الباهت على السطح. وللون البرتقالي العديد من الأبعاد المميزة على كوكبنا أيضا فهو أحد الرموز الأساسية لدول بأكملها. وأذكر هواة كرة القدم بأن أكثر الفرق التي تأهلت لنهائيات كأس العالم في تاريخ الكرة، ولم تفز، هي الفريق «البرتقالي» الهولندي. واللون البرتقالي ينسب إلى هولندا بالذات للعديد من الأسباب وأهمها أن العائلة المالكة الهولندية تنحدر من آل «هويز فان أورانج ناسا» Huis van Oranje-Nassau وهي من السلالات الملكية الأوروبية العريقة التاريخية منذ أكثر من ستمائة سنة. ومن الغرائب أن هولندا كانت جمهورية إلى العام 1815 ثم تحولت إلى مملكة وهو عكس الاتجاه التاريخي للعديد من الدول، ولكن «آل البرتقال» كان لهم باع في الحكم تحت النظامين الجمهوري ثم الملكي. والغريب أن أهمية البرتقالي لم تنعكس في علم هولندا كما هو الحال لدى بعض الدول ومنها علم جمهورية الهند مثلا. والبرتقالي في الإعلام والشعارات مهم جدا. لاحظ انتشاره: على أطراف شعار هذه الصحيفة الغراء التي تقرؤها الآن، وانظر أيضا في شعارات شركة الاتصالات السعودية، وشركة «صافولا»، والمئات غيرها حول العالم. وهذا اللون الجميل يعكس بعض الغرائب، فأجمل مناظر الغروب ذات الألوان البرتقالية الزاهية هي في الواقع انعكاس للتلوث الهوائي في أقوى درجاته. ذلك لأن اللون البرتقالي يعكس «بعثرة» أشعة الضوء من جزيئات التلوث الهوائي المعلقة في الهواء والكبيرة نسبيا. ولكن هناك طبعا جوانب جمالية أخرى ومنها أن جميع الفواكه والخضروات التي أنعم الله علينا بها بهذا اللون جميلة، ولذيذة، وغالبا مفيدة. بدءا بمنجة جازان التي لا مثيل لها، والجزر الطائفي الطازج، والبرتقال الفلسطيني الرائع، وبابايا ماليزيا الفواحة، وأكيدنيا لبنان ذات النكهة المميزة، واليوسفي المغربي الفريد. أمنية كان اللون البرتقالي هو لوني المفضل بسبب جماله وأسراره إلى أن اكتشفت منذ فترة طويلة أن صهاريج المياه المتحركة «الوايتات» البرتقالية اللون في مدينتي تحمل قاذورات لا يتخيلها العقل. ولكن هناك ما هو أهم من كل هذا: قبل عشر سنوات، تبنت الجهات المسؤولة عن معتقل «جوانتانمو» في شمال كوبا اللباس البرتقالي اللون للمعتقلين، وطبعت في ذاكرة العالم صورة مختلفة تعكس مقدار التجاوزات لحقوق الإنسان. فأصبح اللون يمثل القهر الذي عاشه بعض المظلومين.. أتمنى أن لا يخرب الإنسان جماليات الألوان والأشكال التي أنعم الله عز وجل علينا بها. وهو من وراء القصد.