عندما ترتشف الحروف قهوة الشاعر اللبناني طلال حيدر تشرق بصباح مختلف يغني للأرز بصوت فيروز ومارسيل خليفة وأميمة الخليل ، ويتعطر برائحة زهر البيلسان. حاولنا أن نعيش معه أجواءه ونكتشف طقوسه لحظة ولادة نصه الفاره الذي ينساب كالنهر مخلدا معنى العذوبة ومعلما عشاق الشعر سحر «السهل الممتنع». طلال حيدر يروي في هذه المحطة تفاصيل ولادة أحد نصوصه الشعرية بحس الفنان الذي لم تقف اللهجة عائقا أمام انتشاره بل إنه أسهم في منح «اللكنة» اللبنانية المحببة فضاء آخر. قصة ولادة النص وحول ظروف ولادة قصيدة «وحدن»، قال طلال حيدر ل «عكاظ»: «لم اكتب قصيدة (وحدن) التي غنتها فيروز عام 1981، للشبان الفلسطينيين الثلاثة كما تقول رواية الصحف والمواقع الإلكترونية، بأنهم كانوا يمرون يوميا من قرب منزلي ويدخلون الغابة بينما أجلس ارتشف قهوتي، وذات يوم ذهبوا ولم يعودوا ثم اعلن خبر استشهادهم كونهم نفذوا عملية داخل إسرائيل. والحقيقة أنني كتبت قصيدة «وحدن» لابن بلدي «ابن البقاع» حيث تثلج عليه السماء ويبقى وحيدا لا يرافقه سوى صوت عواء الذيب والرياح. لقد سألني ذات مرة الراحل زكي ناصيف «من وين بتجيب هالكلمات؟ فأجبته: من دفتر بعلبك، قرأت في دفتر الشتاء (تلج الريح)، وفي دفتر الصيف (شمس المي) وفي دفتر الخريف (صفصاف الروح) ورأيت في دفتر الربيع (زهر اللوز) يتفتح بين العينين». في سن الخامسة، كنت أجمع ورق الصفصاف وأضعه في غطاء وسادتي لأشم فيه رائحة الصيف، وذات مرة رأت والدتي غطاء الوسادة متسخا بالوحل فضربتني، لقد كانت والدتي ترى غطاء الوسادة المتسخ أما أنا فكنت أحزن على الصيف الذي ولى. منذ الطفولة كنت أشعر بأنني منذور لشيء ما، لكنني لم أدرك أنني منذور لنعمة ونقمة إلا في سن العاشرة حين كتبت أول قصيدة لي بعنوان «الفخار».