لا شك في أن الدول التي تضطر إلى اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، تقع بين نارين، نار الفوائد الربوية التي تمتص أي نمو في اقتصاداتها، حيث تمر الأعوام والسنين، وتلك الدول المقترضة غارقة في تسديد الأرباح الربوية المفروضة على تلك القروض، ونار الانتقاص من سيادة هذه الدول، حيث يتحكم هذا الصندوق في رسم سياسات تلك الدول، بل والتدخل في أدق الشؤون الداخلية، مما لا يمكن قبوله من دول تحترم إرادة شعوبها. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة مسألة «الصكوك الإسلامية» كبديل للمعونات أو القروض الربوية الأجنبية، وبخاصة بعد أن أدركت شعوب كثيرة مدى ما تقع فيه من استغلال للظروف، واستنزاف للموارد وانتقاص من السيادة. لقد نتج عن نظام الفائدة المصرفية كما يقول خبراء الاقتصاد ما يسمى بتخصيص الأرباح وتعميم الخسائر، وهذا يعني أن الأرباح تعود إلى جيوب وخزائن أصحاب المال فقط، بينما تعم الخسائر على الجميع، وهو ما يعاني منه الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة، وقد استطاعت المصارف الإسلامية أن تجتاز الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة، لتثبت صحة النظام الاقتصادي الإسلامي من جانب، وفشل النظام الرأسمالي الغربي في تحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقرار الاقتصادي في هذه الدول، حتى رأينا دولة كاليونان، قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، الذي بات يهدد دولا أخرى عديدة كأسبانيا وغيرها. بالفعل، نجح نظام الصكوك الإسلامية في تحقيق استثمارات عجزت الأنظمة الرأسمالية الغربية عن تحقيقها، وبلغت قيمة هذه الصكوك في العالم كله نحو ثلاثمائة مليار دولار، تم توظيفها كما يقول المتخصصون والخبراء في مشروعات حكومية وتنموية على شتى المستويات في البلاد، الأمر الذي دفع كثيرا من الدول الشقيقة إلى مراجعة قوانينها ولوائحها وأنظمتها الاقتصادية بما يضمن لها زيادة كفاءة ونشاط السوق لديها. هذا النجاح الذي حققه الاقتصاد الإسلامي ليس لأنه كما يعتقد السذج والمغرضون يسير «بالبركة» و«التوكل»، أو حتى «النوايا الحسنة»، وإنما لأنه كما يؤكد الاقتصاديون والخبراء يلتزم بالمعايير العلمية والعملية، وفوق هذا كله، الالتزام بالقواعد التشريعية ذات المرجعية الفقهية من قبل جمهور علماء المعاملات الإسلامية. إن ما يشهده العالم الغربي من فشل لأنظمته الاقتصادية، ومن ثم تهديد استقرار مجتمعاته، والاتجاه المنادي بالفائدة «صفر» ، ليؤكد أننا على الطريق الصحيح، وأن شريعتنا وديننا ليس معنيا وحسب بالعبادات والحدود، وإنما للإسلام باع في كل ما يواجه البشرية من مشكلات، وما يهددها من أخطار. المشكلة لا تكمن في الغرب، ولا حتى في النظام الإسلامي المتكامل، وإنما تكمن فينا نحن المسلمين، الذين لا نطبق ما حبانا الله تعالى به من قوانين شرعها لتنظيم الحياة الإنسانية بأسرها، وتحقيق العدالة الاجتماعية كهدف رئيس من أهدافها، ونحن أيضا الذين نتقاعس عن نشر هذا النظام وتعريف العالم به. والقضية ببساطة، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، إن القانون الإلهي ينبغي أن يكون دائما فوق قوانين البشر، فالمسألة محسومة لمن يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا في آية كريمة واحدة : «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير». وعليه، لا أعتقد أن الخبير بهذا الإنسان أقل فهما وإدراكا حاشا لله تعالى من الخبراء بأمور جزئية في الكون كالاقتصاد أو السياسة وغيرها. ولا نبالغ إن قلنا إن بلادنا ولله الحمد من أقل أقطار العالم فيما تعرضت له من آثار سلبية لتلك الأزمات الاقتصادية التي حاقت بالعالم كله في الآونة الأخيرة، وهذا نتيجة حتمية للأسس الراسخة والمتينة التي بني عليها اقتصاد البلاد.. فهل يعقل المكابرون في بلاد المسلمين على وجه الخصوص، شمولية هذا الدين وقدرته على تحقيق كل ما عجزت عن تحقيقه الأنظمة العالمية من رأسمالية واشتراكية ونحوهما، وبخاصة ما يصبو إليه الجميع من عدالة اجتماعية ؟!. آمل ذلك. [email protected]