قد لا يلحظ المواطن العربى مشهد الصراع بين السودان وجنوب السودان، حيث تدور حرب ضارية بين الجانبين فى وقت ظن فيه أن انفصال الجنوب يجلب السلام للطرفين، وأن وجود جنوب السودان فى الجسد السوداني كان هو سبب الحرب الأهلية التى استمرت قرابة ربع قرن. كذلك انشغل المواطن العربى بالأحداث المتفجرة فى المنطقة، ساحة فى مصر تغلي ولا يعلم إلا الله إلى أين يستقر القارب المصري بين نظام سقطت شرعيته، ونظام جديد لم تكتمل ملامحه. وفى سورية يلوح خطر التدخل الدولي على الشكل الذى شهدته الأحداث فى ليبيا خاصة بعد أن أعرب عنان عن بعض التحفظات على تطبيق مبادرته، وبعد إعلان الناتو أنه قد يتدخل فى سورية «لأسباب إنسانية». وبين المشهدين المصري والسوري يفتح ملف السودان الذى تنظر إليه الدول العربية على أنه استنزاف للسودان، ومؤامرة على وحدته واستقراره ولكن الجامعة العربية لا تحرك ساكنا. وبداية هذه المأساة هي أن الاستعمار خطط لتفتيت السودان وخاصة فصل الجنوب عن الشمال بحجة أن الشمال مسلم والجنوب مسيحي. رغم أن بريطانيا حاربت الإسلام فى الجنوب، وبحجة أن الشمال يصر على تطبيق الشريعة، وكذلك بحجة أن الجنوب تم تهميشه، وأن حكومة الخرطوم فشلت بعد اتفاق نيفاشا فى أن تجعل خيار الوحدة جاذبا للجنوب. القضية ليست استقلال دولة وإنما انفصال إقليم عن دولة قائمة ومع ذلك فإن الشمال قدر أن الانفصال قد يحقق السلام، ولكن عوامل كثيرة منها علاقة الجنوب بإسرائيل تؤكد العكس، لأن المشاكل المعلقة كانت ذريعة لاستمرار تحرش الجنوب بالشمال. سيظل الجنوب الساحة الجديدة للصراع العربي الإسرائيلي والمعركة الآن تدور فى الحقيقة لإضعاف الحكومة السودانية حتى يتفتت السودان أو حرمانه من موارده النفطية بعد أن رفض الجنوب من الناحية العملية حكم التحكيم فى منطقة أبيي. إنني أطالب بوقفة حازمة وتسوية المشاكل المعلقة وتحقيق السلام الذى يؤدي إلى إعادة اندماج الجنوب فى الشمال، وألا يكون الجنوب ساحة للمؤامرات ضد السودان والعالم العربي، وأن تتعاون الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى فى تحقيق هذه الأهداف.