مع بداية النظرة الأبوية الثاقبة للابتعاث الخارجي التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، كان من بذورها هذه الأعداد الغفيرة من أبنائه وبناته المبتعثين حول العالم في سبيل حصولهم على أعلى الدرجات العلمية في مختلف المجالات من أعرق الجامعات والمعاهد العالمية. هذا التوجه الغالي على قلوب المبتعثين سوف ينضج ثماره بعودة هذه النخبة من المبتعثين وانخراطهم في تطوير وبناء هذا الوطن الغالي على نفوسهم جميعا. أحد الدروس المستفادة من مدرسة الغربة هو درس التضحيات، فالطالب المبتعث عادة ما يضحي بأمور كثيرة حتى يصل إلى مبتغاه الدراسي وتحقيق حلمه للحصول على أعلى الدرجات العلمية في مختلف المجالات. فهو ترك الأهل والأصحاب وتغرب في دولة لم يكن يعرف أهلها أو أصولها أو عاداتها وتقاليدها أو حتى لغة التحدث فيها، قد يكون ذلك تنازلا عن وظيفة أو مكانة اجتماعية وغيرها من أنواع التضحيات.. ولكن هل هذه التضحيات تقارن بما قدمته أسرة هذا المبتعث من المساعدات المادية أو النفسية له عندما حانت ساعة السفر والوداع. كم من أم لم يتوقف دعاؤها لابنها أو ابنتها المغتربة، كم من دمعة ذرفت من عينيها على فراقهم، كم حاولت ستر ضعفها وحبها لفلذات أكبادها وهم يشقّون طريقهم لنيل أعلى الدرجات العلمية، كم كانت تعد الليالي والأيام لفرحة مؤقتة برجوع أبنائها وبناتها في إجازاتهم السنوية وهل يا ترى ستراهم حين عودتهم محملين بأعلى الشهادات أم لا ؟.. وذلك الأب الجبل الشاهق الذي ما فتىء يهون على زوجته ألم فراق أحبابها. كان يظهر القوة والشموخ أمام الجميع وهو يخفي ألمه من فراقهم حتى يكون مصدر القوة لأفراد أسرته، كم قدم وضحى ذلك الرجل في سبيل نجاح أبنائه وبناته وتفوقهم.. وهناك من لا ينسى فضلها إلا ناكر الفضل والجميل؛ إنها زوجتك أيها المبتعث وشريكة حياتك التي تحملت معك ألم الغربة يوما بيوم وأعطت كل شيء تملكه وتغربت عن أهلها وكل من تعرف، كان نجاحك هو أغلى غاياتها. أبناؤك وبناتك كل منهم قدم تضحيات. عزيزي المبتعث لقد قدمت بعض التضحيات للحصول على أهدافك، ولكن كل تلك التضحيات لا تقارن بتضحيات أناس كنت أنت الأهم في حياتهم جميعا، فتضحياتهم لم تكن لأهدافهم الشخصيه أو مكانتهم الاجتماعيه بل من أجلك أنت؛ وأنت فقط.. الآن وأنت تحصل على حصاد زرع زرعته في سنوات غربتك وعودتك إلى وطنك وبدايه انخراطك في تيار الحصول على الاستقرار والوظيفة الحلم التي طالما حلمت بها. أرجوك لا تنس فضلهم ولا تنس أيا من تضحياتهم.. أختي المبتعثة بتبديل الضمائر بين المؤنث والمذكر أصبح حديثي لكِ أيضا. •• أختم بعبرات تألمني كثيرا: كان أبي رحمه الله كثيرا ما يردد عبارة: «نجاحكم يا أبنائي وبناتي، هو نجاح لي أنا». أبي ليتك الآن تقرأ كلماتي هذه لأقول لك : شكرا أبي، لقد نجحت. t: @AshrafMaghrabi * جراح متخصص في جراحات الصدر وجراحات مناظير الجهاز الهضمي المتقدمة والسمنة.