صديقي .. بالأمس هاجمني الملل الذي يبتلع كل الألوان ويترك لي اللون الرمادي، فتصبح الحياة كئيبة ومملة. حاولت البحث عن الأسباب المؤدية لهجوم الملل، وهل الهجوم مرتبط بأمر طرأ على الواقع فغيره ؟ حين فتشت في الواقع، لم يطرأ شيء عليه، فهيئة مكافحة الفساد مازالت تعمل بجد، والمفسدون مازالوا يعملون بجد، والتجار مازالوا يعملون بنفس الجد لشفط ما في جيب المواطن، والمؤسسات مازالت تبتكر الأنظمة والقوانين المعقدة لتمنع تلاعب أقلية من المواطنين فيتورط الغالبية الطيبة في هذه التعقيدات، والمسنون مازالوا يتزوجون الأطفال (الصغيرات)، وسكان جدة مازالوا يراقبون السماء منذ 2009م حتى لا يغدر بهم المطر كما غدرت بهم البنية التحتية. حين لم أجد سببا سجلت هجوم الملل «ضد مجهول» ، كما يحدث حين تكون هناك جريمة كبيرة لا نستطيع رؤيتها لكبر حجمها فنسجلها «ضد مجهول» . رحت أبحث عن آلية لأطرد الملل سارق الألوان، تذكرت كتاب «دع القلق وأبدأ الحياة» الذي يمكن تلخيصه بجملة واحدة «غير عاداتك إن شعرت بالملل» . فقررت أن أغير عادتي لعل الملل يموت، قلت لنفسي: سأعلن توبتي عن الليبرالية، لكني تذكرت أنه علي قراءة بداية الليبرالية منذ 4 قرون وتحولاتها، ثم أعتنقها قبل أن أكفر بها، وهذا أمر يحتاج لسنوات، فعدلت عن الفكرة. قلت: إذن لأعلن توبتي عن «القاعدة والتطرف» ، فوجدت الأمر أكثر تعقيدا وأنه علي العودة للقرن الأول الهجري لمعرفة بداية ظهور مذهب الخوارج، ثم تحولاته طوال هذه القرون، فأؤمن به قبل أن أكفر به، فلم ترق لي الفكرة.. تذكرت مثلا أمريكيا يقول: «عليك ألا تأخذ الحياة بشكل جاد، فغدا ستموت» ، بدا لي أن أسباب مللي عدم إيماني بهذا المثل، فالجادون يصابون ويصيبون بالملل دائما في زمن ثقافة الاستهلاك التي تبيح أن تستهلك الثقافات كما تستهلك الملابس، إن ارتديت الشماغ تصبح متشددا، وإن وضعت عقالا أصبحت علمانيا. التوقيع : صديقك. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة [email protected]