ماذا يحدث في سوق الأسهم بعد أن بات في غيبوبة غرفة الإنعاش منذ عام 2006 ، عندما بلغ المؤشر 20635 نقطة (25 فبراير 2006) ووصل في فترة إلى أدنى مستوياته، فاقداً أكثر من 73% من قيمته حتى يعاود فجأة ليرتفع الآن متجاوزاً فوق حاجز 7000 نقطة وبمبالغ تتجاوز 12 مليار ريال يومياً. إن كل ذلك يحدث فجأة بعكس معطيات الواقع الجارية منذ تاريخ 2006. ولكن ما هي القراءة لهذا التوجه المالي الجديد؟ إننا نستطيع أن نلخص تلك القراءة في المحاور التالية: 1- إن هناك توجهاً لتحويل السيولة المالية وجزء كبير من أموال القطاع الخاص في العقار إلى سوق الأسهم، وخاصة أن الدولة دخلت بثقلها المالي والتشريعي والتنظيمي مثل «وزارة الإسكان» وغيرها بضخ الأموال في سوق العقار، وهنا نستطيع أن نذكر أنه قد يكون المبدأ اقتصادياً وهو «المزاحمة» Crowding Out، وبناء عليه تعمل السياسة المالية إلى تحويل السيولة إلى سوق الأسهم حتى لا يكون هناك تزاحم في الفرص الاستثمارية الخاصة بالعقار. ويكمن الهدف هنا في كبح أسعار ارتفاع العقار والتقليل من نسبة المضاربات وتخفيض أسعار العقار خاصة المبالغ به وتفعيل سياسة الدولة الرامية لحل ازمة السكن، الأمر الذي سوف يؤدي إلى ارتفاع سوق الأسهم وانخفاض سوق العقار بنسب متفاوتة وعلى حسب المناطق والمدن. 2- إن الدولة ممثلة بالسياسة المالية والنقدية، والتي جميعها تحت مظلة وزارة المالية، بدأت مؤخرا في هذا الشهر عمليات تغيير الملكية مثل أسهم بنك الرياض وتحويلها من ملكية مؤسسة النقد 2.3 مليار ريال إلى ملكية المؤسسة العامة للتقاعد، ما أحدث حركة سيولة في سوق الأسهم، وقد تكون سيولة تدويرية أكثر منها استثمارية. كما أن الحدث الآخر مقارب له بالتوقيت يتمثل في قيام هيئة السوق المالية قبل فترة من ذلك بتوقيع مذكرة اتفاق مشترك مع مؤسسة النقد لمحاولة منح الفرصة للشركات الأجنبية للدخول لسوق الأسهم، حيث تُعد هذه خطوة شكلية لها مردود إعلامي ونفسي أكثر من أنها خطوة حقيقية نظراً لأنها لم تطبق بعد وقد تؤدي بعد التطبيق إلى ارتفاع آخر في سوق الأسهم إن هذه الدلالة وغيرها توضح لنا أن هناك رغبة مع توجه في ارتفاع المؤشر وبعودة الناس لسوق الأسهم من جديد، وقد يكون في ذلك بشائر خير للبعض وخاصة أولئك المنكوبين من سوق الأسهم، آملين مزيدا من الإفصاح حيث إن السياسة المالية والنقدية هي المعنية أساساً بمبدأ الشفافية والإفصاح المسبق وليس بعد حدوث الخبر. 3- إن الشعور العام وحديث المجتمع قد يكون أن إحدى الأدوات المالية التي تستخدم لمواكبة أو توجيه شعور عام تجاه هدف ما وهذا له مردود اقتصادي «مؤشر التفاؤل» Sentiment Index ويُعمل به لقياس حركة السوق أو لقيادته لمسار معين. لذا نرى أنه في المرحلة الراهنة كثر حديث الناس عن سوق الأسهم، الأمر الذي سوف يزيد من رغبة الناس إلى هذا السوق من جديد، ويخفف من حدة الحديث عن سوق العقار، وقد أصبح الناس يتحدثون عن موضوعين (الأسهم والعقار) بدل موضوع العقار فقط، وهذا يعطي انطباع رضا وتعلقهم بهذا الجانب. 4- لتمرير ونسيان أحدث فاجعة سوق الأسهم الناتجة في العام 2006 وبدون أي تحقيق ونحن وإلى الآن لا نعرف حقائق الأمور وأسبابها وأبعادها، فلماذا تبخرت تلك الأموال (أكثر من 2 ترليون ريال) كأموال ناتجة عن فاجعة الأسهم التي أصابت أكثر من 4 ملايين مواطن. ومن المستفيد ومن المسؤول؟ وكيف نستطيع أن نتجنب تلك الحادثة مرة أخرى؟ يبدو أن المعطيات المالية أعلاه تعطينا مؤشري السيولة الموجهة من جانب الدولة والسيولة المندفعة من القطاع الخاص من المستثمرين. ونرى أنهما سوف يؤديان إلى ارتفاع سوق الأسهم وانخفاض في سوق العقار، وبنسب متفاوتة خاصة في هذا العام 2012 والخوف أن نصاب والعياذ بالله بالخبال Insane ما يعني أن نعيد نفس التجربة وبنفس المعطيات. ويتوقع أن تكون النتائج مختلفة. ويكفينا قول الرسول الكريم (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). فنحن على أرض الواقع لم نقم بأي تعديل يذكر سواء بإدخال قوانين جوهرية لسوق الأسهم حتى تحفز السياسة المالية والنقدية، وبالتالي تدفع الناس لدخول سوق الأسهم مرة أخرى، وقد تكون الخسارة المستقبلية لا سمح الله مزدوجة بسوق الأسهم وسوق العقار بدلا من أنها كانت بسوق الأسهم فقط. * خبير اقتصاد مالي