سمحت لي إقامتي في مدينة كولشستر البريطانية أواسط التسعينات الميلادية للدراسة بالتردد على مدرسة بروم جروف للبراعم حيث كانت طفلتي ذات الخمس سنوات وقتئذ تدرس فيها. مبنى المدرسة جميل تحيط به المسابح والملاعب والصالات الرياضية. الفصول واسعة وتنزوي بأركانها جلسات جميلة وملحق بها غرف صغيرة تخزن فيها الأدوات التعليمية ودورات مياه نظيفة! تتسم الثقافة الإنجليزية بالانضباط والصرامة والمسؤولية حيث تتدلى من سقف الفصل صورة لكل طفل بشكل مدروس وأنيق ولكل برعم مشجب للمعطف مكتوب عليه الاسم. كانت طفلتي لا تحمل أوراقا أو أقلاما إلى المدرسة إذ تتوفر الأدوات القرطاسية مجانا. يجلس الأطفال الذين لايتجاوز عددهم الثمانية عشر طفلا متحلقين على طاولات مستديرة في ثلاث مجموعات موزعين وفق معايير مدروسة وتتميز الطاولات والكراسي بملاءمتها لأحجام الأطفال ونوعيتها الفاخرة. طاقم التدريس المكون من ثلاث نساء رائع في تعامله؛ إحداهن هي المسؤولة عن الجانب التعليمي والثانية تحمل شهادة في علم النفس والتعامل مع الأطفال في المؤسسات التربوية والثالثة لديها خبرة متخصصة في التربية وتقوم بأعمال إسنادية وتوفر كل الاحتياجات القرطاسية وتشرف على أعمال الأطفال وأنشطتهم. اليوم الأول حسب البروتوكول حضور الطفل برفقة أحد الوالدين وقضاء بعض الوقت حتى يطمئن إلى الأجواء الجديدة. بعد ساعة تقريبا وأنا أهم بالخروج رأيت طفلا يبكي فقامت إحدى المساعدات بالجلوس معه على الأريكة وملاطفته ومحاولة تهدئته حتى نام بسلام! سألتني المديرة عن الوجبة المفضلة لطفلتي التي يوفرها مطعم المدرسة فأخبرتها أنني مسلم وحددت قائمة الطعام فرحبت بكل سرور وطلبت منها أن تقضي حصة التربية الدينية في النشاط الترفيهي. من المواقف التي لازالت في ذاكرتي أن ابن أحد زملائي السعوديين كان يبكي عندما يحضر إلى المدرسة ولا يدخل بسهولة فرأيت المديرة واثنتين من مساعداتها يحاولن إقناع صالح وهن جالسات على الأرض بكل الوسائل رغم حاجز اللغة وكان موقفا مؤثرا وأحب صالح المدرسة!. بعد مضي ستة أسابيع تقريبا جاءتني رسالة عبر البريد تخبرني بضرورة الحضور للاستماع لتقرير المدرسة عن وضع طفلتي. حضرت في الوقت المحدد وأخذت دوري مع الآباء والأمهات ثم جلست مع المعلمة الرئيسة التي لخصت بطريقة احترافية كيف تتعلم ابنتي وتمسك القلم وتتواصل مع زميلاتها وتلعب.. خلاصة القول إن المدرسة مسؤولة عن التعلم وممارسة الهوايات واكتشاف الذات والسلوك الإيجابي نحو الآخرين والمكان. قبيل مغادرتي في نهاية عام 1418ه بدأت الحكومة البريطانية إلحاق الأطفال بالروضات من سن الرابعة مجانا. للتواصل: Facebook.com/salhazmi1