القانون الذي لا يحمي المغفلين لا يحمي المسافرين المجاملين أيضا، ولا يقف مع حقوق حاملي أمتعة الغير، بل يقول بكل وضوح إن (محتويات الأمتعة على مسؤولية الراكب)، لكن حسن النية والأعراف السودانية اقتضت أن يحمل بعض المسافرين أمتعة غيرهم من باب تقديم المساعدة للخلصاء والمعارف، أو من باب تقديم المساعدة لأشخاص يقابلونهم لأول مرة. لا فرق يذكر في موازين المروءة السودانية! أما اليوم فالاحتكام إلى المروءة والأعراف السودانية الأصيلة قد يكلفك ثمنا باهظا قوامه حياتك، فتجد نفسك ما بين غمضة عين وانتباهتها مقبوضا عليك في مطارات بلاد الناس ومتهما بتهريب المخدرات المضبوطة في حوزتك، والمخبأة بمهارة شيطانية بين طيات طرد صغير، أو كيس دواء أوهمك صاحبه أن العلبة التي بداخله تحوي عقارا نادرا يحتاجه قريبه المقيم حيث تتجه الطائرة التي تقلك! على حافة الاتهام! مهند محمد حامد شاب جامعي كان عائدا إلى أسرته المقيمة بالرياض في إجازة قصيرة عندما استوقفه عابر سبيل في مطار الخرطوم وتوسل إليه أن يوصل بعض علب الدواء إلى شقيقه المريض، لكن حسن حظ مهند جعل والده الطبيب يتفحص علب الدواء ليكتشف أنها حبوب مخدرة .. فيتم الاتصال برجال الشرطة ليتضح أن وراء الحكاية عصابة تهريب خطيرة. وقد يكون الخطر متربصا بك خلف سحنة امرأة تحمل ملامح الأم الرؤوم وترجوك أن تسلم حقيبة صغيرة لأبنائها بالخرطوم، ثم تفاجأ حال وصولك بأنها تحوي مواد ممنوعة مثل ما حدث مع الدكتور عمر محمد هاشم الذي كان قادما من جدة وهو يحمل أمانة امرأة اتضح بعد البحث والتحري أنها عضو في شبكة تهريب ممنوعات. حسن النية اللامبالي والمروءة القاتلة في السجون السعودية سودانيون محكومون بالإعدام في قضايا تهريب مخدرات داخل أمتعة لا تخصهم، تسلموها من باب خدمة أصحابها لوجه الله وانتهت رحلتهم معها إلى غياهب السجون، ومن هؤلاء قضية المغتربين السودانيين اللذين تم الحكم عليهما بالإعدام قبل بضعة أشهر بتهمة تهريب مواد مخدرة ضبطتها السلطات السعودية داخل «أمانات» وافقا على إيصالها من مجهولين إلى مجهولين في مطار جدة على الطريقة السودانية. لكن لطف الله قدر أن تتدخل الحكومة السودانية وأن تناشد السلطات السعودية لوقف تنفيذ حكم الإعدام فيهما، بعد ظهور مستجدات واضحة في القضية، وبعد جهود مقدرة من شرطة مكافحة المخدرات التي أثبتت تحرياتها أن الرجلين وقعا ضحية عصابة تهريب مخدرات يمتد نشاطها بين السودان والسعودية، وأن الذي قام بتسليم المتهمين أكياس البضاعة المهربة هو أحد أفرادها. الأمتعة على مسؤولية الراكب بين كل مائة مسافر سوداني يجوبون صالات المغادرة والوصول بمطارات العالم، أكثر من ثلث هذا العدد على الأقل، يحملون بكل بساطة أمتعة لا تخصهم، تسلموها من أشخاص قابلوهم لأول مرة، ووافقوا على قبول إيصالها إلى آخرين لا يعرفونهم خجلا من الامتناع عن تقديم المساعدة أو احتسابا عند الله وتحريا لأجر المناولة. وهو سلوك عشوائي سائد على الرغم من كونه يعرض مرتكبيه للمساءلة والعقاب في حال مخالفة ما يحملونه لقوانين حمل الأمتعة، والتي تقول ببساطة أن المحتوى على مسؤولية الراكب الذي ارتضى أن يضع اسمه على أي (برطمان ملوحة) أو (كيس ويكة) أو (كرتونة طلح) كانت في طريقها من مرسل مجهول، إلى مستلم مجهول، عبر مسافر عشوائي. الحل في احترام أنظمة السفر هذا السلوك الفوضوي في التعامل مع حيازة الأمتعة هو السبب الرئيس في سوابق قضائية عديدة لم يأخذ فيها القانون طبيعة الشعب السوداني بعين الاعتبار حين التحقيق والتحري بعد وقوع حوادث مماثلة .. ولا تزال المطارات تشهد كل يوم صنوفا من تلك الصور العشوائية، فهذا يحمل أمتعة لا تخصه، وذاك يحاول أن يقنع غيره بذلك. والحل يكمن في أن يرتفع الوعي الاجتماعي بسيادة أحكام الأنظمة التي تعتبر الحيازة في رحلات السفر دليلا دامغا على الملكية، وأن يقتنع السودانيون الطيبون بضرورة احترام قوانين الحل والترحال في بلاد الناس والتي تحتم على المسافر المتحضر أن يرفض حمل أمانة لا تخصه، إلا إذا كانت مجرد سلام.