أكتب هذه المقالة والمشاعر تزاحم الأفكار في رأسي وقلبي، ولذلك لا أظن بأنها ستكون منظمة فالعذر من القراء، فهذه المقالة كتبت في يوم عيد بالنسبة لي وهو يوم الاثنين 20 ربيع الأول 1433ه ذلك اليوم المشهود الذي تناقلت فيه وسائل الإعلام المحلية والعالمية موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود على إنشاء مدينة «وعد الشمال للصناعات التعدينية» شمال شرق «مدينة طريف» على مساحة 440 كلم2 منها 150 كلم2 لمشروع شركة معادن للصناعات الفوسفاتية ومشاريعها الأخرى المرتبطة به في منطقة «أم وعال» وستوفر في المدينة كافة مقومات الصناعة والتنمية المستدامة لتوفير الفرص الوظيفية للشباب وتطوير المناطق النائية. وبصفتي من أوائل من احتضنتهم طريف طفلا قبل أن يغادرها صبياً يافعاً، وأول من دافع عن حقها بمجمع صناعي لثرواتها المعدنية ومدينة اقتصادية لتنميتها، لا أملك في هذه اللحظة التاريخية غير أن أرفع أسمى آيات التقدير والعرفان بالجميل لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين رجل الوعد والوفاء، ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز أمين الإدارة المناطقية والمحلية في بلادنا، على هذا القرار الحكيم الذي أعاد الأمور إلى نصابها وأعاد الحقوق إلى أهلها وبعث الدفء في أوصال جزء عزيز من بلادنا طالما تجمد لعقود عديدة من زمهرير الشتاء وزمهرير اليأس والانتظار. ولأهلنا في طريف وفي منطقة الحدود الشمالية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ولأهلنا في الوطن السعودي من أقصاه إلى أقصاه، هنيئاً لنا بقيادة بلادنا الرشيدة التي لا تترك شاردة ولا واردة فيها خير للوطن والمواطن إلا وتتبناها بشكل ومعنى يفوق ما يتوقعه المواطنون. فمدينة وعد الشمال لا تقتصر على شركة معادن ومصانعها ولكنها تتخطى بكثير حجم استثمارات شركة معادن ومشروعاتها التي يتوقع أن تبلغ 21 مليار ريال لتغطية تكاليف استخراج خام الفوسفات ومعالجته وإقامة 7 مصانع كبيرة بمقاييس عالمية وطاقة إنتاجية تبلغ 16 مليون طن سنوياً لإنتاج مركزات الفوسفات وحامض الكبريتيك وحامض الفوسفوريك، ومصانع لإنتاج آحادي وثنائي فوسفات الكالسيوم المستخدمة في صناعة الأعلاف الحيوانية، وكذلك مصانع لإنتاج حامض الفوسفوريك المركز المستخدم في الصناعات الغذائية، ومادة بولي فوسفات الصوديوم الثلاثية المستخدمة في صناعة المنظفات والاستخدام الصناعي. فهناك أرامكو السعودية التي عادت للمنطقة لا بمضخة أو خط أنابيب فحسب بل بقضها وقضيضها وخيلها ورجلها وغازها ونفطها وعلومها وتخصصاتها ما سينعكس على المنطقة إن شاء الله تقدماً ورخاء لم تشهد له من قبل مثيلا. وهناك صندوق الاستثمارات العامة الذي سيرصد 4.5 مليار ريال لبناء وتوطيد البنية التحتية اللازمة لتوطين المشاريع بربط المدينة بسكة حديد الشمال - الجنوب بوصلة يصل طولها إلى 100 كيلو متر تقريباً، وتزويدها بالمقطورات المناسبة لنقل حامض الفوسفوريك والكبريت الخام ومنتجات المشروعات الأخرى من المدينة وإليها، وكذلك إنشاء محطة للركاب في المدينةالجديدة. كما سيتم توصيل المدينة بالشبكة الوطنية الكهربائية ذات الضغط العالي اللازم للصناعات المختلفة. ويتوقع أن تضيف المدينة باستكمال مشروعاتها سنة 2016م حوالي 15 مليار ريال سنوياً إلى الناتج المحلي. وتوفر ما لا يقل عن 20 فرصة استثمارية للقطاع الخاص وما لا يقل عن 2700 وظيفة مباشرة إضافة إلى أكثر من 22 ألف فرصة وظيفية غير مباشرة نأمل أن يخصص معظمها لمواطني المنطقة. وبهذه المناسبة الطيبة أقترح البدء بدراسة فكرة ربط المدينة الصناعية الجديدة بأحد موانئ البحر الأحمر الشمالية (الوجه أو ضبا) لمزيد من تعزيز التنمية الاقتصادية للشمال، والانسياب الآمن لصادراتنا التي يتوقع أن تكون متنوعة فيما بين نفط وغاز وأسمدة ومنتجات صناعية بعيداً عن مضيق هرمز وتهديدات الجارة المتنمرة بإغلاقه. ولأهلنا في طريف أقول حينما تبنيت مطالبكم بسلسلة من المقالات في «عكاظ» منذ سنة 1422ه بدءاً بمقالتي العاطفية التاريخية واسعة الانتشار «ما زلت أحمل دمعة الفراق يا طريف» مروراً بعشرات المقالات المساندة على مدى أكثر من عقد من الزمان وانتهاء بمقالتي ومن بعدها محاضرتي في الغرفة التجارية في عرعر عن الاستثمار في منطقة الحدود الشمالية التي دعوت فيها صراحة لإنشاء «مدينة اقتصادية حرة» توظف الموارد المتاحة وتستفيد من الموقع الفريد الذي تتمتع به المنطقة بجوار عدد من الدول العربية الشمالية وذلك في نطاق حملة فردية لإقناع الجهات المختصة في بلادنا بضرورة إعادة النظر في قرار شركة معادن بتوطين كافة مشاريع الفوسفات بعيداً عن طريف، ورغم الإهمال في التجاوب العلني مع مطالباتي من شركة معادن، وتخويف البعض لي، ممن لا يفهمون جوهر الحكم والحكام في بلادنا، من جراء التمادي في المطالبة، كنت أصر على موقفي وتصعيد المطالبات بكل ثقة وبسيل لا يتوقف من المقالات في «عكاظ» وبأحاديث صحفية لعدد من صحف المملكة الرائدة الأخرى لتتخطى الفوسفات إلى المطالبة ببناء «المدينة الاقتصادية» بالقرب من طريف في الحدود الشمالية. لقد كنت أراهن في كل حرف أو كلمة أو مقالة أو محاضرة أسطرها عن التنمية في المناطق الحدودية وفي مقدمتها الحدود الشمالية على عدالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعلى حزم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، في إحقاق الحق وتوفير البيئة الاستثمارية المناسبة لتنمية مستدامة تفتح بوابتنا الشمالية على مصراعيها لعبور رياح التغيير التنموية والحضارية بعد أن أغلقت لعقود طويلة لظروف خارجة عن إرادة الجميع. واليوم يا أهلنا في طريف أبارك لكم اعتماد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لخطة تنمية تشمل مدينة اقتصادية لا ككل المدن بل هي جوهرة التاج في حجمها وتنوع صناعاتها وفرصها غير المحدودة وانفتاحها المتوقع على البلاد العربية الشمالية وأوربا والعالم. وأجد أنه من المناسب أن أعدل عبارات الختام في أول مقالة كتبتها عن طريف فقد قلت حينها «أقول لطريف ولكل أهل طريف إنني لا أملك غير قلمي أسطر فيه حبكم وأنفح به عنكم ما استطعت ولو أمكن لكتبت عنكم ولكم بدمي بدل حبر المطابع ولكن منكم العذر ومني الوفاء وأقول لحبيبتكم وحبيبتي طريف.. والله ما زلت أحبس دمعة الفراق يا طريف» وأقول اليوم «كان أبو الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عند الوعد في إنشاء مدينة الوعد في طريف فحول همنا فرحا واستبدل قهرنا رضا ويأسنا ابتسامات ود وامتنان لله تعالى ثم شكر وولاء لشخصه الكريم وللوطن العزيز، فما أسعدنا به قائداً وما أسعدنا ببلاد الحرمين وطنا». وأقول لأهلنا في طريف وفي منطقة الحدود الشمالية بأن كرة التنمية في مرماكم الآن فلا تطوحوا بها بعيداً بل دعوها تتهادى حتى تصيب الهدف. وحافظوا عليها ولا تسمحوا لأحد باختطافها منكم وأخلصوا لها تخلص لكم ولأبنائكم ولأحفادكم من بعدكم. ولا يكون هذا إلا بالتعاون والابتعاد عن كل ما يعكر التكافل الاجتماعي والإنساني الذي عهدناه بكم، والتركيز على تربية وتعليم الأبناء وتسليحهم بكل ما يمكن من علوم وتخصصات عصرية حديثة تتناسب مع احتياجات مدينتكم الاقتصادية.. وبهذا يتوقف الكلام ويبدأ العمل بجد واجتهاد وطوبي للصابرين والمثابرين.