قصص التائبين يزيدك علما بلطف الله ورحمته وإحسانه إلى عباده كما يكشف لك طرفا من أسرار القلوب وأن لها مفاتيح تفتح أقفالها وأنه لا يملك تقليبها وهدايتها إلا الله سبحانه.. لقد جمعت أخبارا كثيرة من أخبار من اهتدى فوجدت أن منهم من كانت هدايته بسماع آية، وآخر اهتدى بحوار وجدل، وآخر دعا له داع فاهتدى بدعائه له، وآخر برؤيا صالحة رآها في منامه، وآخر بموعظة سمعها، وآخر أبصر حال عالم أو عابد فوعظه خشوع العالم أو خشية العابد من ربه فأناب، ومنهم من تاب بتفكر، ومنهم من أناب بعلم حصل له.. وذلك كله من لطفه وبره سبحانه بعباده. وسأذكر لك أمثلة لما نبأتك به لا لسرد الحكايات وإنما لتكون حاملا لهموم الدعوة ساعيا في هداية من غفل وأسرف على نفسه. خرج العابد العالم الثقة سليمان بن يسار إلى الحج وفي طريقه نزل هو وأخوه عطاء ورفقتهما بالأبواء وكان سليمان على قدر من الحسن أخذ يصلي وخرج رفقته لبعض شأنهم فجاءت امرأة وسوس لها الشيطان أن تراوده وكان الشيخ مقبلا على صلاته فلما شعر بها عجل في صلاته ظانا أنها ستستفتيه فسألها بعد فراغه فأخبرته بمرادها فأجهش بالبكاء ولا زال يبكي وهي تنظر إليه وهو يذكر لها خوفه من مقامه بين يدي رب العالمين فدخلت قلبها رقة وخشية متأثرة بدمعات وكلمات الشيخ الصادقة فخرجت تائبة منيبة.. فانظر إلى قصة هدايتها فلم يعظها العالم وإنما رأت بكاءه وخوفه من ربه وسمعت عباراته وكان سماعها وما شهدته من ضياء في قلبها تلمست به طريق المعرفة بخالقها فأنابت إليه. ويذكر أصحاب السير أن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولد له غلام فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الغلام يشكو صداعا فجذب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من جبهة الغلام فشفاه الله ونبتت شعرات كهلبة الفرس في جبهة الصبي، فلما كان زمن خروج الخوارج فتن ذاك الغلام بهم وأعجبه رأيهم وحاول الخروج معهم وسقطت تلك الشعرات التي نبتت ببركة جذبة رسول الله لجبهته وكان والده ينهاه حتى اضطر لحبسه في الدار ودخل على الشاب جمع من الصحابة وبضعة من علماء التابعين يجادلونه ويحاورونه ويقولون ألم تر أن الشعرات ذهبت باتباعك الخوارج، ولازالوا يحاورونه حتى عاد عن رأي الخوارج، ولزم السنة فنبتت شعرات في جبهته بتوبته مرة أخرى.. وهذه القصة رواها ابن أبي شيبة وغيره، وقال ابن حجر إسنادها قوي فانظر إلى الحوار والجدل كيف اهتدى به شاب من عقيدة الخوارج، فلا ينبغي ترك طريق الجدل فكم من قلب لا ترده الموعظة ويعود بالحوار أو الجدل.. وذكر أصحاب السير أن أبا الوفاء علي بن محمد بن عقيل العقيلي الحنبلي كان يعتقد عقيدة المعتزلة فهداه الله بالعلم النافع إلى طريق السنة ولزوم سبيل السلف وكان من توبته أن كتب على نفسه كتابا يتضمن توبته ورجوعه عن ما كان يعتقده من الباطل وأشهد على ذلك جماعة من العلماء. فتأمل كيف اهتدى بمطالعة العلم والنظر فيه، فاتساع معرفة الإنسان بالعلوم الشرعية وقراءة كلام العلماء يهديه إلى صراط الله المستقيم إذا خلص قلبه من الهوى.. وهناك الكثير من الأخبار والقصص أرجو الله أن ييسر لي إتحافكم بها في مقال قادم. • المشرف العام على الدعوة والإرشاد بالمدينة وخطيب جامع الخندق. [email protected]