** التغيير حتمية وضرورة إن لم تأت من الداخل، فالآخرون لن يتركوا العالم مظلما في جانب ما. 1 - من الأسئلة نقدح شرارة الوجود، فوراء كل كلمة معان لا نهائية تتشكل عبر الزمن وتتبلور و تتخلق، ومحاولة التغيير الذي يتطلع لها الجيل الشاب هو التفكير بعقل مستقبلي والأصح أن نستدرج الغد ليكون حليفنا اللدود، وجليسنا الدائم بالمقهى أو على أرصفة الانتظار، أن نستدرج الغد يعني أننا على مسافة أقرب من النتائج التي نتأملها كل حين، و أن نستدرجه يعني أيضا أننا في مهادنة خفية مع الزمن، يجب ألا نتوقف عند لحظة زمنية أو عند ماض مفرط، هنالك أسباب تجعلنا نتكئ على شرفة المجهول، وهنالك حوافز وأشواق تهبنا أسرار الخلود، ولو التفتنا إلى العصور البدائية نرى أن الإعتاق والإنغلاق يأتيان دوما من حالة البؤس الذي يقود للتحدي الواضح أو للتباكي ونسيان الكرامة وتجاهل القيم النبيلة التي ينبني عليها الفرد حتى لو كان في بيئة قبيحة. 2 - «الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة أو لا شيء» كما يقول هيلين كيلر، ولكن هل التغيير هو مغامرة أو صدام مع الواقع؟!! لابد أن نعي مسألة الاختلاف باعتباره ندا للتغيير الذي لا ينكفئ ولا ينطوي مهما تأجل، فالتغيير حتمية وضرورة إن لم تأت من الداخل، فالآخرون لن يتركوا العالم مظلما في جانب ما، كلنا نتهافت على مصير مشترك، والسماء رأس الكائنات، وعندما نتطلع إلى شيء مستقبلي فإن الأعين جميعها بصارة بالماوراء، علينا أن نتغير، ولا يكفي أن تتغير لوحدك فيما يتجلبب العالم بزي مهترئ وبال، ومن صميم الأسئلة ذاتها التي تبدأ عجلة الدوران في ساقية المشيئة نعود مرة أخرى إلى المفاهيم والمعتقدات والسلوك والمعارف لنتفحصها ونقف على أنقاضها التي قد تكون سببا أيدلوجيا وحائلا للتغيير، فليس كل تغيير إيجابي ولكنه بالضرورة مغامرة إيجابية، نحن نتغير ونقاوم خرائب النفس التي هدمناها عبر التحولات كي نحفر قواعد راسخة في الضمير وشاهقة في الوعي وواثقة في مواجهة رياح التغريب والتنكر للهوية، فالتغيير هو عتبة الدار، وألق الأمكنة، ولكن الاختلاف الذي نحذر منه هو آفتنا الأليمة إذا صرنا نستعدي بعضنا البعض أو سنجر أذيال الخيبة في ركب الحضارات المتقدمة التي لا تلتفت للوراء من أجل العودة أو التباكي ولكنها تستعيد نقطة الصفر من باب الذكريات الذي سيظل مفتوحا مادامت الخطوات مثقلة بأعباء الطامحين. 3 - يحكى أن زعيما أراد القيام برحلة برية طويلة وممتدة، ولكن أقدامه تورمت من المشي، وعندما عاد أصدر مرسوما لتغطية الشوارع بالجلد، ولكن أحدهم أشار عليه بوضع قطعة جلد صغيرة تحت قدميه بدلا من التهور واستدراج الجميع في هواه، ولهذا من يريد أن يغير العالم ليبدأ بنفسه، ويتجنب هواه بمشورة المقربين منه سواء كانوا أكبر أم أصغر، فالحكمة بمدى صلاحيتها للواقع وليس بالتأييد وتغليب رأي على رأي. 4 - يقول إبراهيم الفقي: لما كنت شابا لم تكن لمخيلتي حدود، كنت أحلم في تغيير العالم، وكلما ازددت سنا أكتشف أن العالم لا يتغير؛ لذلك قللت طموحي وقررت تغير بلدي لا أكثر إلا أن بلدي باقية على ما هي عليه، وحينما دخلت مرحلة الشيخوخة لجأت إلى تغيير عائلتي ومن كانوا أقرب الناس لي؛ ولكن باءت محاولتي بالفشل واليوم وأنا على فراش الموت أتمنى لو غيرت ذاتي في بادئ الأمر ثم حاولت تغيير عائلتي ثم بإلهام وتشجيع منها ربما أقدمت على تطوير بلدي ومن يدري ربما كنت استطعت أخيرا تغيير العالم برمته. 5 - إن صناعة الذات هي مختبر واقعي لإنتاج العالم.